Kitabı oku: «السعي من أجل البطولة », sayfa 8

Yazı tipi:

نظر إيرك إلى الأسفل باتجاه تور.

"لقد تمكنت بالفعل من صنع بعض الأعداء الأقوياء في البلاط الملكي" قال إيريك والابتسامة تعلو وجهه. "على ما يبدو يوجد لديك بعض الأعداء كما يوجد لديك بعض الأصدقاء."

شعر تور بالإحراج واحمرّ وجهه.

"لا أعرف كيف, يا سيدي. لم أكن أنوي ذلك."

"لا يتم اكتساب الأعداء بالنوايا. غالباً ما يتم اكتسابهم عن طريق الحسد, وقد تمكنك من صنع الكثير منهم. هذا ليس بالضرورة أمراً سيئاً, لقد كنت وسط كثيرٍ من التكهنات."

قام تور بحكِّ رأسه محاولاً أن يفهم.

"ولكنني لا أعرف لماذا."

بقي إيريك ينظر مستمتعاً بذلك.

"الملكة بنفسها من بين خصومك الكبار. لقد تمكنت بطريقةٍ ما من أن تكون في جانبها الخاطئ."

"أمي؟" سأل ريس. "لماذا؟"

"هذا هو السؤال الذي كنت أتساءل به في نفسي" قال إيريك.

شعر تور بشعورٍ رهيب. الملكة؟ عدو؟ ما الذي فعله لها؟ لم يستطع تصوّر ذلك. كيف يمكن أن يكون مهماً لهذه الدرجة حتى تتنبه له الملكة؟ إنّه بالكاد فهم ما الذي كان يجري حوله.

فجأةً تبادر شيءٌ لذهنه.

"هل هي السبب في إرسالي إلى هنا؟ إلى كانيون؟" سأل تور.

ادار إيريك رأسه ونظر إلى تور مباشرةً, وازدادت الجديّة في كلامه.

" قد تكون كذلك." قال إيريك وهو يفكر " من الممكن أن تكون."

تفاجئ تور بحجم وقدرة الأعداء الذين صنعهم, لقد اوقع نفسه في ورطةٍ لا يعرف شيئاً عنها. أراد فقط أن يصبح منهم. لقد اتبع شغفه وحلمه فقط, وفعل كلّ ما بوسعه لتحقيق ذلك. لم يفكر أبداً ما الذي ممكن أن يحصل, و أنه سيثير الحسد أو الغيرة. لقد قلّب ذلك مراراً وتكراراً في ذهنه كلغزٍ ما, ولكنه لم يستطع الحصول على إجابةٍ عن هذا اللغز.

بينما كان تور يقلّب هذه الأفكار, وصلوا إلى قمة إحدى الهضاب. جميع الأفكار التي تخيلوها عن أيّ شيءٍ آخر من قِبل, ذهبت بعيداً عندما رأوا هذا المشهد. تنفّس تور الصعداء, ليس من هول المشهد فقط بل من الرياح القويّة ايضاً.

كانت كانيون تمتد أمامهم على مدِّ نظرهم. كانت هذه المرة الأولى التي يرى تور فيها كانيون, لقد صدمه المشهد كثيراً لذلك تسمّر في مكانه تماماً, غير قادرٍ على الحراك. كان مشهداً مهيباً وأروع شيءٍ قد رآه في حياته. كانت الفجوة الكبيرة في الأرض تبدو كأنها تمتد إلى اللانهاية, كان الجسر الضيق يمتد من جانبٍ واحدٍ فقط, مغطاً بالجنود. بدا الجسر كأنه يمتد إلى أقصى الأرض.

كان وادي كانيون يتوهج بألوان الأخضر والأزرق في لحظات الغروب, وأشعة الشمس البرّاقة ترتد على جدرانه. شعر تور بساقيه مرة أخرى وبدأ بالمشي مرة أخرى, وأخذوا يقتربون أكثر فأكثر من الجسر, حتى أصبح قادراً على النظر إلى الأسفل, عميقاً في منحدرات كانيون, يبدو أنها تنخفض إلى باطن الأرض. لم يكن بإمكان تور أن يرى القاع حتى, ولم يعرف إذا كان ذلك بسبب أن كانيون ليس له قاع أصلاً أو بسبب أنّه كان مغطّاً بالضباب. بد أن أعمار الصخور التي تصطف على أطراف المنحدرات ملايين السنين, لقد تشكلت بسبب العواصف التي هبّت منذ قرون عديدة. كان أكثر مكانٍ بدائيٍ رآه في حياته. لم يكن لديه أدنى فكرةٍ أنّ كوكبه واسعٌ إلى هذا الحد وحيويٌّ ونشيطٌ إلى هذا الحد.

لقد بدا ذلك كما لو أنّه عاد إلى بداية الخلق.

سمع تور لهاث الآخرين من حوله. كانت أفكار أربعتهم أن القيام بدوريات في هذا المكان يبدو شيئاً مثيراً للسخرية. لقد شعروا أنهم أقزام في هذا المكان من هول المشهد فقط.

بينما كانوا يسيرون باتجاه الجسر, كان الجنود متصلبين على الجانبين, فاتحين طريقاً للدورية الجديدة. شعر تور بنبضه يتسارع.

"أنا لا أفهم كيف يمكن لأربعتنا القيام بدوريات هنا" قال أوكونور.

" قال إيلدين ساخراً "هناك العديد من الدوريات إلى جانبنا هنا, نحن مجرد قطعةٍ واحدةٍ في هذا الجهاز."

بينما كانوا يسيرون نحو الجسر, كان الصوت الوحيد الذي يسمعونه هو صوت الريح العاتيّة وأحذيتهم وحصان إيريك. كانت دعسات الحصان تترك صوتاً مطمئناً, الشيء الوحيد الذي تعلّق به تور في هذا المكان الخيالي.

لم يتفوه أحدٌ من هؤلاء الجنود المصطفين بحذر بأيّ كلمة, وقد كان انتباههم مشدوداً إلى إيريك.

كان يجب على الفتية أن يمروّا على المئات منهم. لاحظ تور على جانبي الطريق تلك الأشياء المعلقة بالمسامير الطويلة, لقد كانت رؤوس الغزاة البرابرة, بعضها لا يزال طازجاً و يقطر الدم منه.

ذهب تور بتفكيره بعيداً, هذه الرؤوس جعلت كل شيءٍ حقيقياً النسبة إليه. لم يكن يعرف إذا كان مستعداً لذلك. حاول ألّا يتصور تلك الاشتباكات العديدة التي وقعت والتي أسفرت عن هذه الرؤوس وأدت إلى فقدان تلك الأرواح. حاول ألّا يفكر بما ينتظره على الجانب الآخر. تساءل إذا كان سيتمكن من العودة. هل هذا هو الغرض من هذه الحملة كلها؟ من أجل أن يتخلصوا منه؟

نظر إلى الحافة وإلى المنحدرات التي تمتد إلى ما لا نهاية, سمع صياح طائرٍ من بعيد ولكنه كان صوتاً لم يسمعه من قبل. تساءل عن نوع هذا الطائر, تساءل ما هي أنواع الحيوانات الغريبة الأخرى التي تنتظره على الجانب الآخر.

ولكنّ ما كان يقلقه حقيقةً ليست تلك الحيوانات أو حتى الرؤوس المعلقة بالمسامير, كان الشعور الذي يخلّفه هذا المكان يقلقه أكثر من أيّ شيءٍ آخر. لم يتمكن من معرفة إذا كان الضباب أو عويل الرياح أو ضخامة هذه السماء المفتوحة أو أشعة غروب الشمس هو السبب في ذلك, ولكن شيئاً متعلقاً بهذا المكان كان عجيباً جداً, وهذا الشيء انتقل إليه وتسرب في داخله. لقد شعر أنَّ طاقةً سحريّةً ثقيلةً ألقيت عليه. تعجب عمّا إذا كانت قوة السيف أم بعض القوى القديمة الأخرى. شعر كما لو أنّه لا يعبر تلك الأرض فقط, بل يعبر إلى عالمٍ آخر من الدنيا.

منذ أيامٍ قليلةٍ فقط كان يرعى الأغنام في قريته الصغيرة. لم يستطع أن يصدق ذلك, للمرة الأولى في حياته سوف يقضي الليل على الجانب الآخر من كانيون ومن دون أيّة حماية.

الفصل السادس عشر

بينما بدأت الشمس تتلاشى في الأفق بدا الظلام القرمزي المتداخل مع اللون الأزرق كأنه يغلف هذا الكون, بدأ تور بالمشي مع ريس و أوكونور و إيلدين نزولاً على الدرب الذي يؤدي إلى داخل الغابة في براري ويلدز. لم يقف تور على أيّ حافةٍ في حياته من قبل. الآن أصبحوا أربعتهم فقط, إيريك بقي بجانب المخيم, وعلى الرغم من المشاحنات التي بينهم, أحس تور أنهم بحاجة إلى بعضهم البعض أكثر من أيّ وقت مضى. كان عليهم الاعتماد على نفسهم, بدون إيريك. قبل أن يفترقوا أخبرهم إيريك بأنه ليس هناك حاجةٌ للقلق وأنه سوف يبقى في المركز وسيسمع نداءهم إذا احتاجوا إليه وسيكون هناك.

هذا أعطى تور بعض الثقة الآن.

بينما كانت الغابة تحاصرهم, بدأ تور بالنظر حوله إلى هذا المكان الغريب, أرض الغابة مغطاةٌ بالشوك وبالفواكه الغريبة. كانت فروع العديد من الأشجار متداخلة مع بعضها وقديمةً جداً, وكانت هذه الأشجار تلمس بعضها البعض وقريبةً جداً من بعضها لذلك اضطر تور في كثير من الأحيان إلى الانحناء لتجنبها. كان لديهم في المكان الشوك بدلاً من أوراق الأشجار وكان يوجد في كلِّ مكان. كانت النباتات المعترشة متدليّةً في المكان, وارتكب تور خطأً عندما حاول أن يبعد إحدى العروش المتدلية أمام وجهه, فقد اكتشف أنّ ذلك ثعبان وليس نبات. عندها صاح تور عالياً وقفز من المكان في الوقت المناسب.

توقع تور من الآخرين أن يضحكوا عليه, ولكنهم أيضاً كانوا متأثرين بخوفهم. كلّ ما كان حولهم هو ضوضاءٌ الحيوانات الغريبة. بعض الأصوات كان منخفضةً ومبحوحاً, وبعضها كان عالي النبرة ويشبه الصياح. بعضها كان صدىً متردداً من بعيد وبعضها الآخر بدا قريباً بالتأكيد. جاء الشفق سريعاً بينما كانوا جميعاً قد توجهوا عميقاً داخل الغابة. شعر تور أنّهم من الممكن أن يصبحوا كميناً سهلاً بأي لحظة. وبينما كانت السماء تصبح مظلمة, أصبح تور يجد صعوبة في الرؤية, حتى في رؤية رفاقه. أحكم تور قبضته على السيف حتى ابيضت أصابعه, بينما كان يمسك مقلاعه بيده الأخرى. والفتية الآخرين فعلوا ذلك ايضاً.

أراد تور أن يكون قوياً وشجاعاً وواثقاً بنفسه, كما يجب أن يكون الفارس الحقيقي, وكما أمره إيريك أن يكون. كان يفضّل الموت الآن على أن يعيش بقية حياته يواجه الخوف دائماً. رفع تور رأسه وسار بجرأةٍ إلى الأمام, وقام أيضاً بزيادة سرعة سيره ومضى أمام البقية ببضعة أمتار. كان قلبه يخفق بشدّة ولكنه شعر كما لو أنه يواجه مشاعره.

"من أجل ماذا نقوم بالدرويات بالتحديد؟" سأل تور.

حالما قال ذلك, شعر أنّه من الممكن أن يكون سؤالاً غبياً وتوقع أن يسخر منه إيلدين على الفور.

ولكن لم يقابل شعوره هذا سوى الصمت. ألقى نظرةً على البقية ورأى لمعان عينيّ إيلدين وأدرك أنه خائفٌ أكثر. هذا أعطى تور على الأقل بعض الثقة. كان تور أصغر منه حجماً وسناً ومع ذلك لم يستسلم لخوفه.

"العدو, أعتقد ذلك" أجاب ريس أخيراً.

"ومن هو العدو؟" سأل تور. "ماذا يشبه وكيف يبدو؟"

"هناك جميع أنواع الأعداء هنا" قال ريس. "نحن الآن في البراري, هناك شعوبٌ من المتوحشين وهناك جميع أنواع وأجناس المخلوقات الشريرة."

"ولكن ما هو الهدف من دوريتنا هذه؟" سأل أوكونور. "ما الفرق الذي سنصنعه من خلال ذلك؟ حتى لو قتلنا واحداً او اثنين منهم, فهل سيوقف ذلك المليون الآخر الذي يقف خلفهم؟"

"نحن لسنا هنا كي نحدث تغييراً" أجاب ريس. "نحن هنا كي نعلمهم بوجودنا, باسم ملكنا. كي يعلموا أن لا يقتربوا من وادي كانيون."

"أعتقد أنّه من الأفضل أن ننتظر محاولة عبورهم وعندها سوف نتصدى لهم" قال أوكونور.

"لا, من الأفضل منعهم من الاقتراب حتى." قال ريس "هذا هو سبب وجود الدوريات هنا. على الأقل هذا ما يقوله أخي الكبير."

كان قلب تور يزداد خفقاناً بينما كانوا يسيرون أعمق, داخل الغابة.

"إلى أي مدىً من المفترض أن نبتعد؟" سأل إيلدين متحدثاً للمرة الأولى بينما كان صوته يرتعش.

"ألا تذكر ما قاله كولك؟ يجب علينا أن نقوم باسترداد الراية الحمراء وبإعادتها." قال ريس. "هذا هو الدليل على أنّنا ذهبنا بعيداً بما فيه الكفاية في جولتنا هذه."

"أنا لم أرى رايةً في أي مكان," قال أوكونور. "في الواقع أنا بالكاد أستطيع الرؤية, كيف يفترض بنا أن نعود؟"

لم يجبه أحد. فكر تور في نفس الشيء, كيف من الممكن أن يجدوا أيّ رايةٍ في ظلمة الليل هذه؟ بدأ يتساءل عما إذا كان هذا كله خدعةٌ أخرى أو تدريبات من الألعاب النفسية التي يمارسها الفيلق على الفتية. فكر مرةً أخرى بكلمات إيريك, عن أنّ له العديد من الأعداء في المحكمة. كان لديه شعورٌ سيءٌ حول هذه الدوريات, هل كانوا يقومون بها فعلاً؟

فجأةً جاء صوت صراخٍ مروّع, متبوعاً بحركةٍ بين فروع الأشجار, وصوت شيءٍ ضخم ركض في طريقه. سحب تور سيفه بسرعة, وفعل الآخرون الشيء ذاته. كان صوت خروج السيوف من أغمادها يملأ المكان, صوت ارتطام المعدن بالمعدن, بينما ثبت الجميع في مكانه, يحملون السيوف أمامهم وينظرون بقلق في جميع الاتجاهات.

"ماذا كان ذلك؟" صرخ إيلدين, وكان صوته مبحوحاً من الخوف.

عبور الحيوانات مرةً أخرى, تركض في طريقها من أحد جوانب الغابة إلى الجانب الآخر, ولكن هذه المرة استطاعوا النظر إليها بشكلٍ جيّد.

ارتخت كتفا تور عندما استطاع معرفة ما كان ذلك.

"إنها مجرد غزلان" قالها تور بارتياح كبير. "أغرب غزلان رأيتها في حياتي, ولكنها مع ذلك تبقى غزلان."

ضحك ريس ضحكةً أنضج من عمره, بضوضاء مطمئنة. عندما سمع تور هذه الضحكة علم أنها ضحكة ملك المستقبل. شعر تور بشعور أفضل بوجود صديقه إلى جانبه, ثمّ ضحك أيضاً, كل ذلك الخوف كان من لا شيء.

"لم أتعرف على صوتك عندما كنت منهاراً من الخوف," سخر ريس من إيلدين وضحك مرة ً اخرى.

"لو كنت أستطيع رؤيتك لقمت بضربك" قال إيلدين.

"أستطيع أن أراك جيداً تعال وحاول القيام بذلك" قال ريس.

حملق إيلدين في ريس بغضب, ولكنه لم يجرؤ على القيام بأي خطوة. وبدلاً من ذلك أعاد سيفه إلى غمده, كما فعل الأخرون. أعجب تور بريس بسبب الذي فعله بإيلدين, لقد سخر إيلدين من الجميع واستحق الحصول على بعض السخرية منه. كان معجباً بجرأة ريس في القيام بذلك, لأنه ومع كل ذلك يبقى إيلدين أكبر منه حجماً بمرتين.

أخيراً شعر تور ببعض التوتر يغادر جسده. كان هذا أول مواجهةٍ لهم, وتكسرت الحواجز الموجودة بينهم, وأيضاً ما زالوا جميعاً على قيد الحياة. ضحك تور أيضاً وكان سعيداً لبقائه على قيد الحياة.

"تستمر بالضحك!, فتىً غريب" قال إيلدين. "سنرى من سيضحك أخيراً."

أنا لا أضحك عليك كما يفعل ريس, فكر تور بذلك. أنا فقط مرتاحٌ لبقائي على قيد الحياة.

ولكنه لم يكلف نفسه عناء إخباره بذلك, كان يعلم أنّه لا يوجد شيءٌ من الممكن أن يغيّر كراهية إيلدين له.

"انظروا, هناك" صاح أوكونور.

حدّق تور بتمعّن ولكن بالكاد أمكنه رؤية ما كان يشير إليه أوكونور في هذا الليل الحالك. ولكنه رآها أخيراً: إنها راية الفيلق, تتدلى على أحد فروع الأشجار.

بدأ جميعه بالركض إليها.

ركض إيلدين متجاوزاً الآخرين, وهو يتجاهلهم تقريباً

"هذا العلم لي!" صاح إيلدين.

"ولكن أنا من رأيته أول مرة" صاح أوكونور.

"ولكن أنا سأحصل عليه أولاً, وسأكون أنا أول من يعيده!" قال إيلدين.

استشاط تور غضباً, بالكاد يمكنه تصديق ما فعله إيلدين. ولكنه تذكر ما قاله كولك – من سيحصل على الراية أولاً سيتم مكافأته – عندها أدرك سبب انطلاق إيلدين إلى الراية, ولكن ذلك لا يعطيه عذراً لفعلته. كان من المفترض بهم أن يكونوا فريقاً أو مجموعة وليس كل رجل يعمل لوحده. لقد كشف إيلدين وجهه الحقيقي, لم يقم أيّ منهم بالجري نحو الراية بهذا الهدف, لقد جعل ذلك تور يكره إيلدين أكثر فأكثر.

انطلق إيلدين مسرعاً بعدما قام بضرب أوكونور بمرفقه, وقبل أن يتمكن أحدهم من إظهار ردة فعله, سبقهم بعدة أمتار واستطاع أن ينتزع الراية.

عندما فعل ذلك ظهرت شبكة كبيرة من العَدم, ارتفعت عن سطح الأرض مندفعةً في الهواء, تحتجز إيلدين داخلها وترفعه عالياً. كان يتأرجح يمنةً ويسرى أمام أعينهم, على بعد عدة أمتارٍ فقط. كالحيوان الواقع في الشِرك.

"ساعدوني, ساعدوني!" صرخ إيلدين بهلع.

تباطأ الجميع في سيرهم وهم يقتربون منه, بدأ ريس بالضحك.

"حسناً, من هو الجبان الآن؟" صاح ريس مستهزئاً به.

"لماذا تكون أحمق أحياناً!" صاح إيلدين. "سوف اقتلك عندما اتخلص من هذه!"

"آه, حقاً؟" رد ريس بشكل حاسم. "ومتى يكون ذلك؟"

"أنزلني!" صاح إيلدين وهو يتقلب داخل الشبكة. "أنا آمرك!"

"أوه, أنت تأمرنا, أليس كذلك؟" انفجر ريس بالضحك مرةً أخرى.

التفت ريس ونظر إلى تور.

"ما رأيك؟" سأل ريس.

"أعتقد أنك مدينٌ لنا جميعاً بالاعتذار" قال أوكونور. "وخصوصاً تور."

"أنا أوافق" قال ريس مخاطباً إيلدين. "سوف أخبرك بما يجب فعله, قم بالاعتذار, وكن صادقاً به وسوف أنظر في أمر إنزالك."

"أعتذر؟" ردّ إيلدين بذعر "ولا بمليون عام."

التفت ريس إلى تور. "ربما ينبغي علينا أن نترك هذا الأخرق هنا في الليل. سيكون غذاءً ممتازاً للحيوانات. ما رأيك؟"

ابتسم تور ابتسامةً عريضة.

"أعتقد أنها فكرةٌ جيدة." قال أوكونور.

"انتظر!" زعق إيلدين.

صعد أوكونور إلى الأعلى وانتزع الراية من بين أصابع إيلدين المتدلية.

"أعتقد أنّه لم يعد بإمكانك الوصول إلى الراية قبلنا بعد كل هذا!" قال أوكونور.

التفت ثلاثتهم و بدأوا بالمشي مبتعدين.

"لا, انتظروا!" صاح إيلدين. "لا يمكنكم تركي هنا, لا تقوموا بذلك!"

استمر ثلاثتهم في المشي بعيداً.

"أنا آسف!" بدأ إيلدين بالتنهد "أرجوكم, أنا آسف!"

توقف تور ولكنّ ريس و أوكونور استمرا بالمشي. أخيراً التفت ريس.

"ما تفعل؟" قال ريس سائلاً تور.

"لا يمكننا تركه هنا" قال تور. على الرغم من مقدار كره تور لإيلدين, لم يرى أنه من الصواب تركه هنا.

"لماذا لا؟" سأل ريس. "لقد جلب ذلك لنفسه."

"إذا انعكست الآية فيجب عليك أن تعرف أنّه سيتركك هناك بكلّ سرور. لماذا أنت مهتمٌّ لأمره؟"

"أفهم ذلك" قال تور. "ولكن ذلك لا يعني أنّنا يجب علينا التصرف مثله."

وضع ريس يديه على خصره وتنهّد بعمق, ثمّ انحنى هامساً في أذن تور.

"لم أكن أريد تركه هنا طوال الليل, ربما فقط نصفه. لن يستطيع الخروج من الشبكة, سوف يتبول في ثيابه ويصاب بنوبةٍ قلبيّة. أنت رقيقٌ جداً, وهذه مشكلتك," قال ريس وهو يضع يده على كتف تور "ولكن هذا هو السبب في أنّني اتخذتك كأحد أصدقائي."

"وأنا؟" قال أوكونور, وهو يضع يده على كتف تور الآخر.

التفت تور وسار نحو الشبكة, وصل إليها وقام بقطعها وإنزالها.

سقط إيلدين مرتطماً بالأرض, انتفض واقفاً على قدميه ورمى الشبكة عنه, وبحث في الأرض بهيجان.

"سيفيّ, أين هو؟!" صاح إيلدين.

نظر تور إلى الأرض ولكن المكان كان مظلماً جداً بحيث لم يستطع الرؤية.

"يمكن أن يكون قد سقط بين الأشجار عندما رفعتك الشبكة إلى الأعلى" أجاب تور.

"أينما كان الآن, لقد ذهب," قال ريس. "لن تتمكن من العثور عليه أبداً."

"ولكنك لا تفهم," قال إيلدين. "الفيلق, هناك قاعدة واحدٌ فقط. لا تترك سلاحك خلفك أبداً, لا أستطيع العودة بدونه. سوف يتمّ طردي."

التفت تور مرة أخرى وبدأ بالبحث, بحث بين الأشجار وفي كلّ مكان. ولكنه لم يتمكن من رؤية أيّ شيءٍ يدلّ على سيف إيلدين أبداً. بينما وقف ريس و أوكونور بعيداً ولم يكلفا نفسهما عناء النظر حتى.

"أنا آسف, لم أجده." قال تور.

بحث إيلدين بجدٍّ في كل مكان, ولكنه استسلم في نهاية المطاف.

"إنها غلطتك," قال إيلدين مشيراً إلى تور. "أنت وضعتنا وسط هذا المأزق!"

"لا لم أفعل," أجاب تور "أنت فعلت ذلك. أنت ركضت من أجل الحصول على الراية ودفعتنا جميعاً بعيداً عن طريق. لا يمكنك أن تلوم أحداً سوى نفسك."

"أنا أكرهك!" صرخ إيلدين.

اندفع إيلدين نحو تور, جذبه من قميصه ورماه إلى الأرض. بسبب وزنه استطاع أن يأخذ تور على حين غِرّة. استطاع تور أن يُفلت منه وحاول الدوران حوله ولكن إيلدين التفت وانقضّ على تور مرةً أخرى. لقد كان إيلدين ضخماً جداً وقوياً, كان من الصعب جداً على تور أن يدفع إيلدين عنه.

فجأةً, وعلى الرغم من أنّ إيلدين أفلت تور و انسحب من فوقه, سمع تور صوت سيفٍ يُخرج من غمده, نظر إلى الأعلى ورأي ريس واقفاً فوق إيلدين واضعاً رأس سيفه على رقبته.

ركض أوكونور نحو تور ومدّ يده إليه, ثمّ قام بسحب تور وأوقفه على قدميه. وقف تور مع أصدقائه الاثنين ونظر إلى الأسفل باتجاه إيلدين الذي بقى على الأرض وسيف ريس على عنقه.

"لقد اقتربت من أصدقائي مرةً أخرى," قال ريس ببطء متحدثاً إلى إيلدين, لقد كان جديّا جداً في كلامه," أؤكد لك أنّني سأقتلك."

الفصل السابع عشر

جلس كلٌّ من تور و ريس و أوكونور و إيلدين وإيريك على الأرض, مشكلين دائرةً حول النار المشتعلة. جلس خمستهم كئيباً وصامتاً, تعجب تور من وجود هذا البرد في إحدى ليالي الصيف. كان هناك شيءٌ حول هذا الوادي, هذا البرد القارس والرياح المخيفة التي تدور حولهم وتتسلل إلى ظهورهم, مختلطةً مع الضباب الذي لا يبدو أنّه يزول أبداً, والذي يجعل المكان كئيباً بشكل كبير. انحنى تور إلى الأمام مقترباً من النار يفرك يديه أمام حرارتها, غير قادرٍ على تدفئتهما.

مضغ تور قطعة من اللحم الجاف بينما كان الآخرون يجلسون حوله, كانت قطعة اللحم قاسيةً وجافّة ولكنّ هذا ما كان تور يتغذى عليه. اقترب إيريك من تور وناوله شيئاً, شعر تور بقِربة نبيذٍ ناعمةٍ توضع في يده. كان السائل يتخضخض داخلها. على الرغم من أنه تفاجئ من ثقلها قام برفعها إلى شفتيه وبدء السائل بالتدفق داخل فمه لعدة دقائق. شعر بالدفء لأول مرةٍ في تلك الليلة.

كان الجميع هادئً ويحدق بالنيران, كان تور لا يزال متوتراً, وهو موجودٌ على هذا الجانب من وادي كانيون, في اراضي العدوّ, بقي لديه شعورٌ بأنه يجب أن يبقى على أهبّة الاستعداد في كل لحظة, كان متعجباً من الهدوء الذي يبدو على إيريك, كان يبدو كما لو أنه مستلقيٌ في حديقة منزله.

شعر تور بالارتياح قليلاً, على الأقل لوجودهم خارج تلك البراري وانضمامهم إلى إيريك وجلوسهم حول هذه النار المطمئنة. كان إيريك يراقب خط الغابة كاملاً ومتيقّظاً لكل حركةٍ صغيرة, ولكن بثقةٍ واسترخاء. عَرف تور أن إيريك سيقوم بحمايتهم جميعاً إذا واجههم أيّ خطر.

شعر تور بالسرور والراحة بجلوسهم حول هذه النار, نظر حوله ورأى أن الآخرين يبدون كذلك أيضاً. بالطبع ما عدا إيلدين, كان كئيباً جداً أكثر من أيّ وقتٍ مضى, منذ عودتهم من الغابة. كان قد خسر ثقة الآخرين بسبب تعجرفه. جلس هناك نكداً وبدون سيفه. لن يغفر له القادة خطأً كهذا, سوف يتم طرده من الفيلق بمجرد عودتهم. تساءل تور عمّا سيفعله إيلدين, كان لديه شعورٌ بأن هذه القصة لن تمرّ بسهولة, فإيلدين كان في جعبته بعض الخِدع والخطط الاحتياطية. شعر تور أنّ ما سيحصل لن يكون جيداً.

التفت تور إلى إيريك وتتبع نظراته إلى الأفق البعيد باتجاه الجنوب. كان توهجاً خافتاً, خطٌّ لا نهاية له يمتد بقدر ما يمكن للعين أن ترى, ويضيء سواد الليل, تعجّب منه تور.

"ما هذا؟" سأل تور إيريك أخيراً. "ذلك التوهّج, الذي تبقى تحدق به؟"

كان إيريك صامتاً لفترةٍ طويلة, والصوت الوحيد الموجود كان صفير الرياح. وأخيراً نطق إيريك بدون أن يلتفت: "إنهم الجورالز".

تبادل تور النظرات مع الآخرين, والذين التفتوا مرة أخرى بخوفٍ إلى هناك. شعر تور ببعض الامتعاض من التفكير بذلك. الجورالز, قريبون جداً. لم يكن هناك شيءٌ بينهم وبين الجورالز سوى غابةٍ صغيرة وسهل واسع. لم يعد هناك ذاك الوادي الكبير الذي يفصل بينهم ويحافظ على حياتهم. طوال حياته كان يسمع عن حكايات هؤلاء المتوحشين العنيفين, الذين كان طموحهم الوحيد هو مهاجمة الطوق. الآن لم يعد هناك شيءٌ بينهم. لم يستطع أن يصدق هذا العدد الكبير الموجود هناك. كان جيشاً واسعاً ومتأهباً.

"ألست خائفاً؟" سأل تور إيريك.

هز إيريك رأسه. "إن الجورالز يتحركون كرجل واحد. يخيّم جيشهم هناك كلّ ليلة, منذ سنواتٍ طويلة. لن يقوموا بمهاجمة كانيون إلّا إذا قاموا بحشد جيشهم كاملاً وهاجموا معاً. لن يجرؤوا على المحاولة فقوة السيف بمثابة الدرع لنا, إنهم يعرفون أنّه لا يمكن اختراقه."

"إذاً لماذا يقومون بالتخييم هناك؟" سأل تور.

"إنها طريقتهم لإخافتنا ولتجهيز أنفسهم. لقد قاموا بالهجوم عدة مرات على مرِّ التاريخ في زمن آبائنا, محاولين اختراق كانيون, ولكن ذلك لم يحصل في عهدي."

نظر تور إلى السماء السوداء وإلى النجوم الصفراء والزرقاء والبرتقالية المتلألئة عالياً. هذا الجانب من الوادي كان مكاناً للكوابيس ولم يتخيل في أيّ وقت مضى أنه سيتمكن من التواجد فيه, التفكير في ذلك يدفعه إلى الخوف, ولكنه طرد هذه الأفكار من رأسه, إنه الآن أحد أعضاء الفيلق وعليه أن يتصرف على هذا الأساس.

"لا تقلق" قال إيريك, كما لو أنّه يقرأ أفكاره. "لن يقوموا بالهجوم طالما لدينا سيف القدر."

"هل سبق لك أن أمسكته؟" سأل تور إيريك بشكلٍ فضوليّ. "السيف؟"

"بالطبع لا" ردّ إيريك بحدّة. "لا يسمح لأحد بفعل ذلك, باستثناء أحفاد الملك."

نظر إليه تور حائراً. "أنا لا أفهم, لماذا؟"

تنحنح ريس وقال مقاطعاً حديثهم, "هل من الممكن أن أجيب أنا ؟"

هز إيريك رأسه بالموافقة.

"للأسف لا. هناك أسطورةٌ حول هذا السيف, في الواقع لم يتمكن أيُّ شخصٍ من رفعه من قبل. تقول الأسطورة أن رجلاً واحداً فقط, مُختارٌ واحدٌ, سيتمكن من التعامل مع السيف بنفسه. فقط يسمح للملك بمحاولة ذلك, أو أحد أحفاد الملك الذين يسميّهم بنفسه. لذلك فالسيف يقبع هناك, دون أن يلمسه أحد."

"وماذا عن ملكنا الحالي؟ أبوك؟" سأل تور. "ألا يستطيع المحاولة."

نظر ريس إلى الأسفل. "لقد فعلها مرةً واحدة, عندما تمّ تتويجه. وعندها أخبرنا أنّه لم يستطع رفعه. لذلك فالسيف يقبع هناك, كأداةٍ تقوم بلومه بشكلٍ دائم, إنّه يكرهه, فهو يشكل عبئاً عليه كما لو أنّه شيءٌ حيّ." وأضاف ريس "عندما يصل هذا المُختار سوف يحرر الطوق من جميع أعدائها المتربصين بها وسيقودنا إلى قدرٍ أعظم من الذي عرفناه. ستنتهي جميع الحروب."

"خيال وهراء" قاطعهم إيلدين. "سيتم رفع هذا السيف من قِبل أيّ شخص. إنها ثقيلةٌ جداً ولكنّ هذا غير مستحيل. وليس هناك ما يسمى بـ ‘المختار’ , هذا كلّه هراء. تم تأليف هذه الأسطورة كي تُبقي عامّة الشعب في الأسفل, كي تبقينا جميعاً ننتظر هذا الشخص الذي من المفترض أن يكون مُختاراً. من أجل أن تقوى شوكة ماكجيل, إنّه أسطورةٌ مريحةٌ جداً بالنسبة إليهم."

"أغلق فمك أيّها الصبي" قاطعه إيريك. "ستتكلم دائماً باحترامٍ عن ملكنا."

نظر إيلدين إلى الأسفل بذل.

فكر تور بكل شيء, حاول أن يجمع كل شيءٍ معاً. كان ذلك كثيراً جداً كيّ يفكر به دفعةً واحدةً. كان يحلم برؤية السيف طوال حياته. سمع قصصاً كثيرةً عن شكله المثالي. كانت الشائعات تتردد عن أنّه صنع من مادةٍ لا يفهمها أحد, كان من المفترض أنّه سلاحٌ سحريّ. تساءل ما الذي كان سيحدث لو لم يكن هناك السيف لحمايتهم. هل سينهزم جيش الملك عندها من قِبل الإمبراطورية؟ نظر تور إلى تلك النيران المتوهجة في الأفق. بدت كأنها تمتد إلى اللانهاية.

"هل سبق لك أن كنت هناك؟" سأل تور إيريك. "هناك بعيداً, ما بعد الغابة؟ في البراري؟"

التفت الجميع ونظر إلى إيريك, بينما كان تور ينتظر جوابه بفارغ الصبر. دخل إيريك في صمت عميق, حدّق بالنيران لفترةٍ طويلة, طويلةٍ جداً بحيث جعلت تور يشكّ بأنه لن يجيب أبداً. كان تور يأمل بألّا يبدو فضولياً جداً, لقد كان يشعر بالامتنان كثيراً لإيريك, لذلك لم يرغب أبداً بأن تتغير نظرة إيريك له. وأصلاً لم يكن تور متأكداً من رغبته بمعرفة الجواب.

عندما تمنى تور أن يتمكن من سحب سؤاله, أجاب إيريك: "نعم", قالها بشكل رصين.

هذه الكلمة الواحدة بقيت معلقةً في الهواء لفترةٍ طويلة جداً, هذه الكلمة أخبرت تور بكلّ ما كان يحتاج سماعه.

"كيف يبدو المكان هناك؟" سأل أوكونور.

شعر تور ببعض الارتياح لأنه لم يكن وحده من يطرح الأسئلة.

"إنها محكومة من قبل إمبراطورٍ واحدٍ لا يوجد في قلبه رحمة," قال إيريك. "ولكنها أرض واسعةٌ ومتنوعة. هناك أرض المتوحشين, وهناك أرض العبيد وأرض الوحوش ,وحوش لا تشبه أيّ شيءٍ يمكنك أن تتخيله. هناك الصحارى والجبال والتلال على مدّ النظر, هناك الأهوار والمستنقعات والمحيط الكبير, يوجد هناك أرض الكهنة وأرض التنانين."

اتسعت عينا تور. "التنين؟" سأل تور بدهشة. "كنت أعتقد أنها غير موجودة."

نظر إليه إيريك بجديّةٍ كبيرة.

"أؤكد لك أنهم موجودون. وذاك هو المكان الذي لن ترغب بالذهاب إليه أبداً, المكان الذي يخشاه الجورالز أنفسهم ."

استغرق تور في التفكير, بالكاد يمكنه أن يتصور كيف لأحدٍ أن يخاطر بالذهاب عميقاً في هذا العالم إلى هذا الحد. وتعجب كيف استطاع إيريك أن يعود مرةً أخرى وهو على قيد الحياة. أبقى هذا السؤال في ذهنه كي يسأله إلى إيريك في وقتٍ آخر.

كان هناك الكثير من الأسئلة التي أراد تور أن يسألها لإيريك, عن طبيعة إمبراطورية الشر ومن يحكمها, ولماذا يريدون أن يقوموا بالهجوم, وكيف استطاع إيريك الخروج من هناك, و متى عاد. ولكن بينما كان تور يحدق بلهيب النيران بدأت النار تصبح أبرد وأقتم, شعر تور بثقل في عينيه بينما كانت هذه الأسئلة جميعاً تدور في رأسه. لم يكن هذا وقتاً مناسباً لطرحها. وبدلاً من ذلك استسلم تور إلى نعاسه, و وضع رأسه على الأرض. وقبل أن يغلق عينيه بشكل كامل, ألقى نظرةً إلى تلك الأراضي الغريبة, وتساءل متى أو إذا كان سيعود إلى موطنه مرةً أخرى.

*

فتح تور عينيه بارتباك, متسائلاً عن مكانه وكيف وصل إلى هنا. نظر إلى الأسفل ووجد ضباباً كثيفاً جداً يغطيه حتى وسطه, كثيفاً بحيث لم يستطع أن يرى قدميه. التفت تور ورأى الفجر يبزغ على كانيون أمامه. وبعيداً على الجانب الآخر كان موطنه, ولكنه ما زال على هذا الجانب, الجانب الخاطئ من هذه الفجوة الكبيرة, تسارعت دقّات قلبه.

نظر تور إلى الجسر, ولكنّ الغريب أنّه كان خالياً من الجنود. المكان كله كان ذلك, في الواقع كان يبدو مهجوراً. لم يتمكن من فهم ما حدث. وبينما كان ينظر إلى الجسر, سقطت ألواحه الخشبية واحدةٌ تلو الأخرى كقطع الدومينو. عندما كانت تسقط ألواح الجسر كانت تهوي إلى أسفل الهاوية , كان الجزء السفلي منها بعيداً جداً, لم يكن حتى يسمع صوت ارتطام الألواح.

تلفّت تور في المكان وحاول فهم ما يجري حوله, بحث عن الآخرين ولكنه لم يرى أحداً منهم في المكان. لم يكن لديه أيّة فكرة عمّا يجب القيام به, الآن هو عالقٌ في هذا المكان وحده, على الجانب الآخر من كانيون, وبدون وجود أيّ وسيلةٍ للعودة. لم يستطع أن يفهم أين ذهب الجميع.

سمع شيئاً, التفت ونظر إلى الغابة واستطاع أن يكتشف بعض الحركة هناك. نهض تور على قدميه ومشى باتجاه الصوت, كانت قدماه تغوص في الأرض. وعندما أقترب تور لمح شبكةً معلقةً بأحد الأغصان المنخفضة. كان إيلدين بداخلها, كانت الشبكة تدور وتدور , وبينما كانت كذلك كانت الأغصان على وشك أن تنكسر.

جلس صقرٌ جاثماً على رأسه, مخلوق متميّز المظهر مع جسمٍ لامعٍ بالفضة وشريط واحدً أسود بين عينيه ويتدلى من جبهته. كان الصقر ينحني على عينيّ إيلدين محاولاً انتزاعها خارجاً. التفت الصقر إلى تور, ممسكاً إحدى عيني إيلدين بداخل منقاره.

أراد تور أن ينظر بعيداً ولكنه لم يستطع. كان يريد فقط أن يتحقق من أنّ إيلدين ميّت. فجأةً دبّت الحياة في الغابة بأكملها, و خرج منها ومن جميع الاتجاهات جيش الجورالز. كانوا ضِخامً ويرتدون فقط ما يستر عورتهم, كان لديهم عضلات صدرٍ هائلة, و ثلاثة أنوفٍ على وجوههم بشكل مثلث واثنان منها طويلة, وأنيابٌ حادةٌ منحنية. كانوا يهسهسون ويزمجرون ويركضون مباشرةً باتجاهه, كانت الأصوات تتعالى ولم يكن هناك مكانٌ يستطيع تور الذهاب إليه. انحنى تور إلى الأسفل ليمسك بسيفه, ولكنه نظر إلى الأسفل ليكتشف أنه اختفى.

صرخ تور.

استيقظ تور وجلس فوراً, تنفس بصعوبة ونظر مسعوراً في جميع الاتجاهات. كان كل شيءٍ حوله صامتاً, ولكنه صمتٌ حقيقي وحيّ وليس كالصمت الذي رآه في منامه.

ومع بزوغ أولى أشعة الفجر, كان بجانبه ريس و أوكونور وإيريك ممددين على الأرض ورماد النيران موجودٌ بقربهم.

كان هناك صقرٌ يقفز على الأرض. التفت الصقر وأدار رأسه باتجاه تور, كان كبيراً وفضياً ومفتخراً بنفسه, مع شريطٍ أسودٍ يتدلى على جبهته, كان الصقر يحدّق باتجاهه وينظر مباشرةً باتجاه عينيه, ويطلق صوتاً عالياً. ذاك الصوت جعل تور يرتعش: لقد كان نفس الصقر الذي رآه في حلمه.

أدرك أن هذا الطائر بمثابة رسالةٍ وأن منامه الذي رآه أكثر من مجرد حُلم. كان هناك شيءٌ خاطئ, بإمكانه أن يشعر بذلك, كانت قشعريرةٌ تتغلغل إلى ظهره وتمشي بسرعةٍ إلى ذراعيه.

انتصب بسرعةٍ على قدميه ونظر في كلّ مكان, متسائلاً ماذا يمكن أن يكون. لم يسمع شيئاً خاطئً ولم يبدو أن هناك شيئاً في مكانه, كان الجسر في مكانه والجنود جميعهم في أماكنهم.

تساءل تور ما كان ذلك.

ثمّ أدرك أن شيء ما كان خاطئاً, كان أحدهم مفقوداً, إنه إيلدين.

في البداية تساءل تور إذا كان ممكناً أن يكون إيلدين قد تركهم, وعاد عبر الجسر إلى الجانب الآخر من الوادي. ربما شعر بالخجل من فقدان سيفه وغادر هذا المكان بأكمله.

ولكن تور نظر باتجاه الغابة ورأى منطقةً جديدةً من الطحالب, وعليها آثار اقدامٍ تتجه نحو الدرب على الندى المتشكل في الصباح. لم يكن هناك شكٌ بأن تلك كانت خطوات إيلدين, أيّ أن إيلدين لم يفارقهم ولكنه عاد إلى الغابة وحيداً, ربما ليخفف عن نفسه أو- تذكر تور مذهولاً- ليحاول استعادة سيفه.

كانت خطوةٌ غبيّة أن يذهب وحده بهذه الطريقة, هذا يثبت كم كان إيلدين يائساً. استشعر تور أن هناك خطرٌ كبير فحياة إيلدين كانت على المحك.

صاح الصقر في تلك اللحظة وكأنّه كان يؤكّد أفكار تور. بعد ذلك نفض جناحيه وارتفع عن الأرض, حلّق الصقر مباشرةً اتجاه تور. انزل تور رأسه ليتفادى مخالبه الكبيرة, ارتفع في الهواء عالياً وحلّق بعيداً.

بدون أن يفكر فيما سيقوم به, انطلق تور إلى داخل الغابة دون أيّ تروٍّ, متتبعاً آثار الأقدام. لم يتوقف تور ولم يشعر بالخوف أبداً بينما كان ينطلق وحيداً في عمق البراري. إذا توقف للتفكير كم كانت فعلته مجنونةً, ربما سيتجمد في مكانه ويجد نفسه غارقاً بخوفه وذعره. وبدلاً من ذلك تتبع ردّة فعله للموضوع, لقد شعر أن إيلدين بحاجةٍ ملحّة للمساعدة. ركض وركض وحيداً في عمق الغابة, مع أضواء الشمس الأولى.

"إيلدين!" صرخ تور.

لم يستطع تور أن يُعبّر عن ذلك, ولكن بطريقةٍ ما أحس أن إيلدين على وشك الموت. ربما من المفترض ألّا يهتم تور لأمره بسبب الطريقة التي يعامله بها, ولكن إذا لم يتمكن إيلدين من مساعدة نفسه, سيفعل تور ذلك. لو كان هو في هذه الحالة فبالتأكيد لن يأتي إيلدين لإنقاذه. كان تور مجنوناً لوضع حياته على المحك من أجل شخصٍ لا يهتم لأمره أبداً, وفي الواقع سوف يكون مسروراً إذا رآه ميتاً. لم يشعر أبداً بهذا الشعورٍ من قبل, حيث كان شعوره يصرخ داخله من أجل أن يفعل شيئاً, وخصوصاً من أجل شيءٍ لم يكن يعرفه أبداً. لقد تغيّر بطريقة أو بأخرى ولكنه لا يعلم كيف حصل ذلك. شعر كما لو كان يتم توجيه جسده من قِبل شيءٍ جديد, بواسطة قوة غامضةٍ, وهذا جعله يشعر بعدم الارتياح و بالخروج عن السيطرة. هل كان يفقد عقله؟ هل كان مبالغاً في ردّة فعله؟ هل الذي فعله كان بسبب الحُلُم؟ ربما كان يجب عليه ان يعود.

لكنه لم يفعل ذلك, ترك قدميه تقوده ولم يستسلم للخوف أو الشكوك. ركض وركض حتى كادت رئته أن تنفجر.

التفّ تور عند أحد المنعطفات, ولكنّ ما رآه جعله يتسمّر في مكانه, وقف هناك محاولاً التقاط أنفاسه, كان يحاول إدراك الصورة التي أمامه والتي لم يكن لها أيّ معنىً. كانت كافيةً لإلقاء الرعب في قلوب أعتى المحاربين. حيث كان يقف إيلدين هناك, ممسكاً بسيفه الصغير ويحدّق في مخلوق لا يشبه أيّ شيءٍ كان قد رآه تور من قبل. كان مروّعاً, قامته أعلا من قامتهما معاً, على الأقل تسعة أقدام وعرضه كأربعة رجال. كانت قامته تبرز عضلاته, وساعداه الأحمران وفي نهاية كلٍّ منهما ثلاثة أصابع طويلةً كالمسامير, وفي نهاية كلِّ جانبٍ كان له رأس مثل ذاك الذي لدى الشيطان, بأربعة قرون وفكٍّ كبير وجبهةٍ واسعة. كان لديه عينان صفراوتان كبيرتان, وكانت مخالبه تشبه الأنياب. ارجع ظهره إلى الخلف وصرخ عالياً.

بجانبه كان هناك شجرة عظيمة يبدو عمرها مئات السنين, ولكنها انقسمت نصفين بسبب صوته.

وقف إيلدين متجمداً من الخوف. أنزل تور سيفه إلى الأسفل, كانت الأرض تحته رطبة.

زمجر المخلوق وسال لعبه, وخطى خطوةً باتجاه إيلدين.

امتلأ تور أيضاً بالخوف, ولكن ليس كإيلدين الذي شُلّت حركته. لسببٍ ما قوّى الخوف حواسه, جعله يشعر برغبةٍ في البقاء على قيد الحياة. أعطاه نظراً ثاقباً جعله يقوم بالتركيز بأعلى درجةٍ على المخلوق الذي أمامه, بموضعه بالنسبة لإيلدين, بحجمه واتساعه وقوته وسرعته, بكل حركاته. يركّز على تفاصيل جسده وعلى أسلحته.

اندفع تور للهجوم وانطلق مباشرةً للوقوف بين إيلدين وهذا الوحش. زمجر الوحش وكانت أنفاسه حارةً جداً, استطاع تور أن يشعر بها من مسافة بعيدة. اقشعّر جسم تور كاملاً من هذا الصوت وجعله يريد أن يستدير ويعود أدراجه. لكن سمع صوت إيريك في رأسه, يخبره بأن يكون قويّاً و أن لا يبقي في قلبه أي خوف, أن يحافظ على رباطة جأشه ويقف في مكانه.

رفع تور سيفه عالياً ووجهه باتجاه الوحش, غرس سيفه داخل أضلاعه مستهدفاً قلبه مباشرةً.

صاح المخلوق عالياً وهو يتألم بشدّة, انهمرت دمائه على وجه تور بينما كان تور يغرس سيفه بشدّة, بأقصى ما يستطيع.

ولكن المفاجأة التي واجهها تور أنّ الوحش لم يمت, بدا الوحش كأنّه لا يقهر.

ودون أيّ عناء تمايل الوحش يمنةً ويسرى وضرب تور بقوّةٍ هائلة حتى أحسّ تور أن أضلاعه تكسرت, طار تور بعيداً عبر الغابة, مصطدماً بإحدى الشجرات قبل أن ينهار على الأرض. شعر بصداع رهيب بينما كان ملقاً على الأرض هناك.

نظر تور إلى الأعلى وهو في حالة ذهولٍ وحيّرةٍ وهو يحس بالعالم يدور به. مدّ الوحش يده إلى سيف تور المغروس بأضلاعه واستخرجه منها. بدا السيف صغيراً في يده كسواك الأسنان. أمسك الوحش بالسيف ورماه بعيداً, حلّق السيف بين الأشجار وانخفض بين الأغصان, واختفى داخل الغابة.