Kitabı oku: «مسيرة الملوك », sayfa 2

Yazı tipi:

الفصل الثالث

ركض تور تحت ظلمة الليل, في الشوارع المليئة بالفوضى داخل البلاط الملكي, مندهشاً من هذه الضجة حوله. كانت الشوارع مزدحمة و الناس تسرع في الشوارع بحشود هائجة. العديد من المشاعل المحمولة تضيء ظلام الليل, وتلقي الظلال على الوجوه المذهولة, بينما كانت الأجراس تُقرع باستمرار. كانت دقاتها تتكرر ببطء, وتأتي مرةً كل دقيقة, وعرف تور ماذا يعني ذلك: إنه الموت. أجراس الموت. وهناك شخصٌ واحد في المملكة ستقرع الأجراس عند موته: إنه الملك.

خفق قلب تور بشدة وهو يتساءل داخل نفسه, بينما كان ذلك الخنجر من الحلم يلمع أمام عينيه. هل كان ذلك صحيحاً؟

كان عليه أن يتأكد من ذلك بشكل يقيني. اقترب من أحد المارة وأمسك بيده, كان صبياً يركض في الاتجاه المعاكس.

"إلى أين أنت ذاهب؟" سأله تور. "لماذا كل هذه الضجة؟"

"ألم تسمع؟" حملق الصبي في وجهه وهو في حالة هيجان. "إن ملكنا يحتضر! لقد طُعن! الحشود تجتمع عند بوابة الملك, محاولةً الحصول على آخر الأخبار. إذا كان ذلك صحيحاً, فهو أمر فظيع بالنسبة لنا جميعاً. هل يمكنك أن تتخيل ذلك؟ أرضٌ بلا ملك؟"

بعد ذلك, أبعد يد تور عنه والتفت, ثمّ ركض مرة أخرى داخل ظلام الليل.

وقف تور هناك, قلبه يقصف داخل أضلاعه, لا يريد أن يصدق حقيقة ما يجري حوله. أحلامه وهواجسه, لقد كانت أكثر من مجرد أوهام . لقد رأى المستقبل, مرتين ولقد أخافه ذلك. لقد كانت قواه أقوى مما كان يعرفه, يبدو أن قواه تزداد يوماً بعد يوم. إلى ماذا سيؤدي كل ذلك؟

وقف تور هناك محاولاً معرفة المكان الذي سيذهب إليه الآن. لقد هرب, ولكن لم يعد لديه أي فكرةٍ الآن إلى أين سيتجه. بالتأكيد خلال دقائق سيكون الحراس وربما جميع من في البلاط الملكي, يبحثون عنه. مجرد حقيقة هربه ستجعله مذنباً أكثر. ولكن من ناحية أخرى, حقيقة أن ماكجيل قد طُعن أثناء وجود تور داخل السجن, ألن تكون كافيةٍ للدفاع عنه؟ أم سيجعله ذلك يبدو كجزءٍ من المؤامرة؟

لا يوجد لتور أيّ فرصةٍ الآن. ومن الواضح أن جميع من في المملكة لا يملك مزاجاً لسماع الأفكار بشكل عقلاني, لقد بدا جميع من حوله خارجاً من أجل الدم. وربما سيكون هو كبش الفداء. إنه يحتاج إلى العثور على مأوى, إلى مكان يستطيع الذهاب إليه كي يتجاوز هذه العاصفة ويقوم بتبرئة اسمه. إن المكان الأكثر أماناً سيكون بعيداً عن هنا. يجب عليه الفرار, واللجوء إلى قريته أو حتى أبعد من ذلك, إلى أبعد مسافةٍ من هنا يمكنه الوصول إليها.

ولكن تور لم يرد أن يأخذ الطريق الأكثر أماناً. لم يكن تور من هذا النوع, كان يريد البقاء هنا وتبرئة اسمه, أراد المحافظة على مكانه في الفيلق. إنه ليس جبانا ولن يهرب من ذلك. إنه يريد رؤية الملك ماكجيل قبل وفاته, إذا كان لا يزال على قيد الحياة. كان يحتاج إلى رؤيته, و يشعر بالذنب لأنه لم يكن قادراً على إيقاف عملية اغتيال الملك تلك. لماذا كن محكوماً عليه رؤية موت الملك, إذا لم يكن قادراً على فعل أيّ شيءٍ حيال ذلك؟ ولماذا رأى الملك يتمّ تسميمه عندما كان سيتم طعنه في الحقيقة؟

بينما وقف تور هناك, يناقش تلك الأمور في عقله, خطر في باله ريس. كان ريس الشخص الوحيد الذي يمكنه الوثوق به كي لا يكتشف الحراس مكانه, أو حتى من الممكن أن يوفر له ملاذاً آمناً. أحسّ بأن ريس سيصدقه. كان يعرف بأن حب تور لوالده كان حقيقياً, وإذا هناك فرصة لأي شخص كي يقوم بتبرئة اسم تور, فسيكون ريس. كان عليه أن يجده.

أخذ تور طريقه راكضاً من خلال الأزقة الخلفية, يلف ويدور من خلال الحشود, بينما كان يبتعد عن بوابة الملك باتجاه القلعة. كان يعرف أن غرفة ريس في الجناح الشرقي, على مقربةٍ من جدار المدينة الخارجي, وكان يأمل فقط بأن يكون ريس داخل غرفته. إذا كان هناك, من الممكن أن يستطيع يلفت انتباهه لوجوده, ومن الممكن أن يساعده على إيجاد طريقٍ إلى داخل القلعة. كان يشعر تور بالخوف من بقائه هنا في الشوارع, فمن الممكن أن يتم قريباً التعرف عليه. وإذا تعرفت عليه هذه الحشود فسيقومون بتمزيقه إرباً.

وبينما وصل تور إلى نهاية هذه الشوارع, وجد نفسه قد وصل أخيراً إلى الجدران الحجرية الخارجية. لقد أصبح قريباً جداً, كان يركض بالقرب من الجدران, على مقربةٍ كبيرة من عيون الجنود الساهرة الذين وقفوا كل بضعة أقدام.

وحالما اقترب تور من نافذة ريس, انحنى إلى الأسفل والتقط حجرة صغيرة. ولحسن الحظ فقط نسي الجنود تجريده من سلاح واحد, مقلاعه القديم. استخرج المقلاع من وسطه ووضع الحجر داخلها, ثمّ قام بإلقائه.

وبرمية لا يمكن أن تخطئ, طار الحجر من فوق جدار القلعة ثمّ وصل بشكل دقيق إلى النافذة المفتوحة من غرفة ريس. سمع تور صوت ارتطام الحجر بالجدار الداخلي لغرفة ريس, ثم انتظر قليلاً, و اختبئ خلف الجدار المنخفض كي لا يتم كشفه من قبل حراس الملك المنتشرين على طول الجدار, والذين التفتوا باتجاه الصوت.

ولكن لم يحدث شيء خلال اللحظات التالية, امتلأ قلب تور بالخوف, تساءل عمّا إذا لم يكن ريس في غرفته بعد كل ذلك. إذا لم يكن في غرفته فسيكون على تور أن يفرّ من هذا المكان, لم يكن هناك أيّ وسيلةٍ أخرى بالنسبة له كي يحصل على ملاذٍ آمن. حبس تور أنفاسه لعدة دقائق بينما كان قلبه يخفق بشدة, انتظر قليلاً وهو يراقب نافذة ريس إذا كان ستفتح.

بعدما كان على وشك الانصراف بعد أن أحسّ بأن دهراً قد مر. رأى تور شخصاً ما يخرج رأسه من النافذة, يضع كفيّه على راحة النافذة ويميل رأسه للخارج وهو ينظر بحيرةٍ تعلو وجهه.

وقف تور واندفع عدة خطواتٍ إلى الخلف بعيداً عن الجدار, ثمّ لوّح بإحدى ذراعيه عالياً.

نظر ريس إلى الأسفل ولاحظ تور, لقد بدت ملامح السرور على وجهه عندما تعرّف على تور, كان ذلك واضحاً حتى في ضوء المشعل من هنا, وشعر تور بالارتياح لرؤية تلك التعابير على وجهه. أخبر ذلك تور بكلّ ما يريد معرفته: لن يقوم ريس بردّه الآن.

أشار له ريس بأن ينتظر, أسرع تور باتجاه الجدار وجلس على ركبتيه خافضاً نفسه بشكل كامل بينما كان الحراس ينظرون حولهم.

انتظر تور لمدةٍ لا يعرف كم طالت, وكان مستعداً للفرار في أيّة لحظة من الحراس, حتى ظهر ريس أخيراً, وهو يتسلل من خلال بابٍ في الجدار الخارجي, كان يتنفس بصعوبة وينظر في كلا الاتجاهين, حتى استطاع أن يجد تور.

أسرع ريس باتجاهه وقام بعناقه. شعر تور بسعادةٍ غامرة. سمع تور صوتاً من الأسفل ونظر فرأى كروهن جالساً داخل قميص ريس. قفز كروهن إلى الأسفل عندما انحنى ريس, و ركض نحو تور.

إنه كروهن شبل النمر الأبيض الذي قام تور بإنقاذه في أحد الأيام, قفز إلى أحضان تور وعانقه, وهو يأنّ ويلعق وجه تور.

ابتسم ريس.

"عندما أخذوك حاول أن يتبعك, وقمت بأخذه كي أتأكد أنه سيكون بأمان."

قام تور بشبك يده في يد ريس مقدراً فعلته هذه, ثم ضحك بينما بقي كروهن يلعق وجهه.

"لقد افتقدتك أيها الفتى," ضحك تور, وقام بتقبيل ريس. " ابقى هادئاً الآن كي لا يسمعنا الحراس."

سكت كروهن كما لو أنه يفهم حديثهما.

"كيف هربت؟" سأل ريس باستغراب.

لم يكن يعرف تور ما الذي يقوله بالتحديد. لا يزال يشعر بعدم الارتياح عند التحدث عن قدراته, التي لا يفهمها. لا يريد أن يعتقد الآخرون بأنّه شيء غير طبيعي.

"أعتقد أنني كنت محظوظاً," لقد سنحت لي فرصة وقمت باستغلالها." أجاب تور.

"أنا مندهشٌ كيف لم يقم هؤلاء الحشود بتمزيقك إلى أجزاء," قال ريس.

" إن الدنيا مظلمة, لا أعتقد أن أحداً سيستطيع التعرف عليّ, حتى الآن على ما أعتقد." أجاب تور.

"هل تعرف أنّ كل جنديٍّ في المملكة يبحث عنك؟ وهل تعرف أنّ والدي قد طُعن؟"

طأطأ تور رأسه, وقال بجديّة. "هل هو بخير الآن.

بدت تعابير الحزن على وجه ريس. وأجاب بتجهم, "لا, إنه يحتضر."

شعر تور بالانهيار, كما لو أنه كان والده.

"أنت تعرف أنني لم أرتكب ذنباً , أليس كذلك؟" سأل تور. لم يكن يهتم لما يفكر به أيّ شخص آخر, ولكنه أراد أن يثبت لأفضل صديق لديه وللملك ماكجيل بأنّه بريء.

"بالتأكيد, وإلا لما وجدتني واقفاً هنا الآن." قال ريس.

شعر تور بموجةٍ من الارتياح, بينما وضع ريس يده على كتفه بامتنان.

"ولكن بقية المملكة لن تكون آمنةً بالنسبة لك," أضاف ريس. "المكان الأكثر أماناً بالنسبة لك سيكون بعيداً عن هنا. سوف أعطيك أسرع حصانٍ عندي, مع بعض المؤن, وسأرسلك بعيداً. يجب أن تختفي حتى يمرّ كل شيء, حتى يجدوا القاتل الحقيقي. لا أحد يفكر بشكل واضح الآن."

أومأ تور برأسه بالنفي.

"لا أستطيع المغادرة," قال تور. "سوف يجعلني ذلك أبدو مذنباً. أحتاج إلى إخبار الآخرين بأنني لم أفعل ذلك. لا أستطيع أن أهرب من مشكلتي. يجب أن أقوم بتبرئة اسمي."

هزّ ريس رأسه.

"إذا بقيت هنا, فسوف يجدونك. وسيأخذونك إلى السجن مرة أخرى, وسيقومون بإعدامك بعدها, إذا لم تقتل على يد هذه الحشود."

"هذه فرصتي ويجب أن استغلها," قال تور.

حدّق ريس في وجهه طويلاً, ثمّ تغيرت نظرته من قلقٍ إلى إعجاب. وأخيراً أومأ برأسه ببطء.

"أنت تبعث على الفخر وغبي, غبي جداً, هذا هو السبب بأنني أحبك."

ابتسم ريس, وأيضاً ابتسم تور بالمقابل.

"يجب أن أرى والدك," قال تور. "أحتاج إلى فرصةٍ كي أشرح له وجهاً لوجه, بأنني لم أكن أنا, وأنني لست على علاقة بكل ذلك. وإذا قرر إصدار الحكم علي, فليكن ذلك, ولكنني بحاجة إلى فرصة واحدة. أريده أن يعرف, هذا كل ما أطلبه منك."

حدّق به ريس بجديّة, يتذكر صداقتهما. وبعد بعض الوقت الذي مضى كدهر. أومأ برأسه.

"يمكنني أن أؤمن لك ذلك, أعرف طريق العودة, إنه يؤدي إلى حجرته. إنه خطر وبمجرد أن تصل إلى هناك ستكون وحيداً, لا يوجد طريقٌ للخروج. ولن يكون هناك أيّ شيء يمكنني تقديمه لك. ومن الممكن أن يعني ذلك موتك. هل أنت متأكد أنك تريد الحصول على هذه الفرصة؟"

أومأ تور برأس بجديةٍ كبيرة.

"إذاً هذا جيد جداً," قال ريس, ثمّ اقترب ورمى عباءة إلى تور.

أمسك بها تور ونظر إلى الأسفل باستغراب. ثمّ أدرك أن ريس كان يخطط لذلك منذ البداية.

ابتسم ريس بينما كان تور ينظر إليه.

"كنت أعلم أنك ستكون غبياً بما فيه الكفاية كي تصرّ على البقاء. لن أتوقع أيّ شيءٍ آخر من صديقي المفضل."

الفصل الرابع

كان غاريث في غرفته, يستعرض في ذاكرته ما حصل في تلك الليلة بقلقٍ شديد. لم يتمكن من تصديق ما حصل في الوليمة, كيف ذهب كل شيءٍ قام بالتخطيط له. بالكاد يمكنه استيعاب ما قام به ذلك الصبي الغبي, إنه الغريب تور, الذي استطاع بطريقةٍ ما أن يكشف المؤامرة, بل وأكثر من ذلك, تمكّن في الواقع من منع الملك من تناول ذلك القدح. تأمّل غاريث تلك اللحظة مرة أخرى, عندما رأى تور يقفز ويدفع الكأس, عندما سمع صوت ارتطام الكأس بالأرض, وشاهد النبيذ وهو ينسكب على الأرض, ورأى أحلامه وطموحاته كلها تنسكب معه.

في تلك اللحظة, كان غاريث منهاراً, لقد تدمّر كل شيء عاش من أجله. وعندما قام ذلك الكلب بلعق النبيذ وانهار على الأرض ميتاً, علم عندها أنها كانت النهاية. رأى حياته كلها تمر أمامه, لقد رأى نفسه عندما تنكشف مؤامرته, وعندما يُحكم عليه بالسجن المؤبد داخل زنزانة صغيرة لأنه حاول قتل والده. أو أن يتم الأسوأ وهو إعدامه. كان عليه ألّا ينفذ تلك الخطة أبداً, وألّا يزور تلك الساحرة أصلاً.

ولكن على الأقل استطاع التصرف بسرعة, فقد استغل الفرصة وقفز على قدميه مشيراً إلى تور وملقياً اللوم عليه. إذا نظرنا للأمر من ناحية أخرى, فقد كان فخوراً بنفسه كيف أنه استطاع التصرف بسرعة. كانت تلك لحظة ارتجالية, ولحسن حظه فقد سارت الأمور بخير. فقد قاموا بسحب تور إلى الخارج, وبعد كلّ ذلك استقرت الأمور مرة أخرى واستمرت الوليمة. وبالطبع لم يكن الأمر بعدها كما يريده, ولكن على أقل تقدير, فقد وقعت الشكوك على ذلك الصبي.

كان غاريث يصلي أن يبقى الأمر على ما هو عليه. لقد مرت عقود عديدة على آخر محاولة لاغتيال الملك, وخشيَ غاريث أن يتم التحقيق في الأمر, وأن يبحثوا بشكل مكّثف عمّن قام بهذا الفعل. إذا نظرنا إلى الوراء فقد كانت محاولة تسميمه محاولةً غبية. كان والده لا يقهر, وكان عليه معرفة ذلك. والآن لا يمكنه الشعور سوى أنها مسألة وقت حتى يتم اكتشاف أمره. سيكون عليه أن يفعل ما بوسعه كي يثبت تلك التهمة على تور كي يتم إعدامه قبل فوات الأوان.

على الأقل استطاع بطريقةٍ ما أن ينقذ نفسه: بعد أن فشلت تلك المحاولة, قرر إلغاء عملية الاغتيال. والآن شعر بالارتياح. فبعد أن فشلت تلك المؤامرة, أدرك ان جزءاً منه, داخل أعماقه, لا يريد منه أن يقوم بقتل والده, لا يريد منه أن يلطّخ يديه بدمه. فهو لن يكون ملكاً, من الممكن ألّا يصبح ملكاً أبداً. ولكن بعد أحداث هذه الليلة, التي انتهت بشكل جيد بالنسبة له. على الأقل سيكون حرّاً الآن. لا يمكنه تحمّل هذا التوتر كله إذا قام بإعادة المحاولة مرة أخرى: السريّة ومحاولة إخفاء الأمور والقلق الدائم من أن يتم كشفه, لقد كان ذلك كثيراً جداً بالنسبة له.

وبينما كان يذهب ويجيء داخل غرفته ببطء, أصبح الوقت متأخراً جداً وبدأ يهدأ قليلاً. وبينما كان يشعر بالرضا عن نفسه ويستعد للنوم, سمع صوت باب يُفتح بعنف, والتفت فرأى باب غرفته مفتوحاً. لقد كان فيرث, عيناه واسعتين ويلهث بشدة, يندفع داخل الغرفة كما لو أنّ أحداً كان يطارده.

"إنه ميت!" صرخ فيرث. "إنه ميت, أنا قتلته. إنه ميت!"

كان فيرث في حالة هيستيرية وينحب بشدة, ولم يكن لدى غاريث أي فكرة عمّا كان يتحدث عنه. هل كان في حالة سكر؟

كان فيرث يركض في جميع أنحاء الغرفة, يصيح ويبكي ويشبك يديه ببعضها, وفجأة لاحظ غاريث كفيه, لقد كانت يداه مغطاة بالدماء, وكان رداءه الأصفر ملطّخاً باللون الأحمر.

استطاع غاريث استيعاب الأمر, لقد قام فيرث بقتل شخصٍ ما, ولكن من؟

"من هو الميت؟" سأل غاريث. "من الذي تتكلم عنه؟"

ولكن فيرث كان في حالة هستيرية, ولا يمكنه أن يركّز. ركض غاريث باتجاهه, أمسكه من كتفيه وهزه بقوة.

"أجبني!"

فتح فيرث عينيه, وحدّق بغاريث.

"أبوك, الملك! إنه ميت, لقد قتلته بيدي!"

شعر غاريث كما لو أن سكيناً دخلت في قلبه وهو يسمع تلك الكلمات.

كان يحدق به, جاحظ العينين ومتجمداً في مكانه, ويشعر بأن جسده بدأ يتخدر بشكل كامل. أفلت فيرث ورجع عدة خطواتٍ إلى الوراء, وحاول أن يتلقط أنفاسه. كان يمكنه معرفة أن فيرث يقول الحقيقة من كلّ تلك الدماء التي كانت عليه. لا يستطيع فهم ذلك. فيرث؟ الصبي الهادئ؟ وصاحب الإرادة الأضعف بين أصدقائه جميعاً؟ قام بقتل والده؟

"ولكن.. كيف ذلك؟" قال غاريث وهو يلهث. "متى قمت بذلك؟"

"لقد حدث ذلك في غرفته," قال فيرث. منذ لحظات قليلة. لقد قمت بطعنه."

بدأ غاريث يستوعب ذلك كله, وبدأ يستعيد عقله ودهائه. لاحظ أن الباب مازال مفتوحاً, ركض نحوه بسرعة وقام بإغلاقه, تحقق قبل ذلك من عدم وجود أحد يراقبه من الحراس. ولحسن الحظ كان الممر فارغاً. ثمّ سحب الترباس الحديديّ الثقيل وقام بقفل الباب.

سارع عبر الغرفة باتجاه فيرث, الذي كان لا يزال في حالة هيستيرية, وحاول غاريث أن يقوم بتهدئته. إنه يحتاج إلى بعض الأجوبة.

أمسكه من كتفيه, وشدّه بقوة كبيرة كانت كافية لجعله يتوقف في مكانه. وأخيراً نظر إليه فيرث بتركيز.

"أخبرني كل شيء," قال غاريث بهدوء. "قل لي بالضبط ما الذي حدث؟ ولماذا فعلت ذلك؟"

"ماذا تقصد بـ لماذا؟ " سأل فيرث بارتباك. "لقد أردتَ قتله, ولم تنجح خطة تسميمه. اعتقدت أنني يمكنني مساعدتك, اعتقدت أن ذلك ما كنت تريده."

هزّ غاريث رأسه, ثمّ أمسك بفيرث وهزّه مراراً وتكراراً.

"لماذا فعلت ذلك؟" صرخ غاريث.

شعر غاريث وكأن العالم كله قد انهار فوق رأسه. لقد صُدم لشعوره بالأسى كثيراً لأجل والده, لم يستطع فهم ذلك. منذ عدة ساعات فقط, كان يريد رؤيته مسموماً أكثر من أي شيءٍ آخر في العالم, وملقاً على تلك الطاولة. أما الآن فقط اصبحت فكرة موته, كموت أفضل صديقٍ بالنسبة له. كان غارقاً في ندمه. كان هناك جزءٌ منه لا يريد أن موت والده بالرغم من كل ذلك, ليس بهذه الطريقة. ليس على يد فيرث وليس مطعوناً.

"أنا لا أفهم," قال فيرث وهو ينتحب. "قبل عدة ساعات حاولت قتله بنفسك. عن طريق الخطة التي قمت بإعدادها, ظننت أنك ستكون ممتناً لي لأنني قمت بذلك!"

ولزيادة دهشته فقد تقدم غاريث إلى الأمام, وقام بصفع فيرث بقوة على وجهه.

"لم أقل لك أن تفعل ذلك!" صاح غاريث. "لم أقل لك أن تفعل ذلك, لماذا قمت بقتله؟ انظر إلى نفسك, أنت مغطىً بالدماء. لقد انتهينا أنا وأنت, ليست سوى مسألة وقت حتى يقوم الحراس بإلقاء القبض علينا."

" لم يرني أحد," قال فيرث. "لقد تسللت عبر الممرات دون أن يراني أحد."

"وأين السلاح الذي قتلته به؟"

"لم أتركه هناك," قال فيرث بفخر. "أنا لسا غبياً, لقد تخلصت منه."

"وما النصل الذي استخدمته," سأل غاريث وهو يفكر بعقله بآثار الطعن. انتقل تفكيره من تأنيب الضمير إلى القلق بشأن كشفهما. وأصبح يفكّر بكل التفاصيل التي من الممكن أن يتركها هذا الأحمق خلفه, كل التفاصيل التي من الممكن أن تؤدي إليهما.

"لقد استخدمت واحدةً لا يمكن تتبعها," قال فيرث بفخر. "لقد كانت سكيناً مجهولة, وجدتها في الإسطبلات. كان هناك أربعة فقط مثلها. لا يكمن تتبعها."

شعر غاريث بهبوط قلبه.

"هل كانت سكيناً قصيرة, ذات مقبض أحمر وشفرة منحنية؟ معلقة على الجدار بجانب حصاني؟"

أومأ فيرث برأسه, وهو ينظر إليه باستغراب.

"أنت غبي, بالطبع يمكنهم معرفة من صاحب هذه الشفرة!"

"ولكن لم يكن عليها علامات مميزة!" قال فيرث محتجاً على كلامه, بصوته الخائف والمرتجف.

"لا يوجد علامات على الشفرة, ولكن هناك علامة على المقبض!" صاح غاريث. "أسفل المقبض, أنت لم تتحقق منها بشكل جيد. أنت غبي." تقدم غاريث إلى الأمام بوجهه المحمر. "لقد حُفر شعار حصاني أسفل المقبض, أيّ شخصٍ يعرف العائلة الملكية بشكلٍ جيد, يمكنه معرفة أن هذه السكين تعود لي."

كان يحدّق بفيرث الذي بدت عليه الحيرة بشكل كبير. لقد كان يريد قتله.

"وما الذي فعلتها بها؟" قال غاريث بغضب. "قلي أنها لا تزال معك, أرجوك أخبرني بأنك أحضرتها معك."

شعر فيرث بالخوف الشديد.

"لقد تخلصت منها بشكل جيد, لن يستطيع أحد أن يجدها أبداً."

عبس وجه غاريث.

"أين بالضبط؟"

"لقد ألقيتها في المنزلق الحجري, إلى داخل غرفة القمامة. يتم تفريغ تلك الحاوية كل ساعة, يتم إلقاؤها داخل النهر. لا تقلق يا سيدي, إنها في عمق النهر الآن."

وفجأة قُرعت أجراس القلعة, التفت غاريث وركض إلى النافذة المفتوحة. وقلبه ممتلئ بالذعر. نظر إلى الخارج ورأى الحشود الكبيرة تحيط بالقلعة ويبدو الاضطراب عليهم. لا يمكن لتلك الأجراس أن تعني سوى شيئاً واحداً: أن فيرث لم يكن يكذب, وأن الملك قد قُتل.

شعر غاريث بجسده يصبح كالجليد. لم يتمكن من تخيل أنه قام بهذا القدر من الشر الكبير. وأن فيرث, من بين جميع الناس, قد قام بتنفيذ ذلك.

وفجأة قام أحدهم بقرع الباب بقوة, وتمّ فتح الباب بسرعة. دخل العديد من الحرس الملكي إلى الغرفة, وخلال لحظات تأكد غاريث من أنهم جاؤوا كي يلقوا القبض عليه.

ولكنهم توقفوا وألقوا التحية عليه.

"سيدي, لقد طُعن والدك. وقد يكون هناك قاتل طليق الآن. نرجو منك التأكد من البقاء في مأمن داخل غرفتك. لقد أصيب الملك بشكل خطير."

فُزع قلب غاريث عندما سمع تلك الكلمات.

"أصيب؟" كرر غاريث تلك الكلمة, التي خرجت كالشوكة في حنجرته. "هل لا يزال على قيد الحياة الآن؟"

"نعم, سيدي. نرجو أن يكون الله معه. سوف ينجو ويخبرنا بمن قام بهذا العمل الشنيع."

ومع انحناءٍ صغير خرج الحرس بسرعةٍ من الغرفة, وقاموا بإغلاق الباب خلفهم.

قام غاريث بإمساك فيرث من كتفيه بغضبِ شديد, ثمّ قام بجرّه عبر الغرفة ومدّده على الجدار الحجري.

حدّق فيرث به, بعينيه الواسعتين وهو ينظر برعب ولا يستطيع التكلم.

"ما الذي فعلته؟" صرخ غاريث. "لقد انتهينا الآن, كلانا!"

"ولكن... ولكن... " تلعثم فيرث ولم يستطع التكلم. "كنت واثقاً من أنه قد مات!"

"لقد كنت واثقاً من أشياء كثيرة, وقد تبيّن أن جميعها كان خطأ." قال غاريث.

وفجأة خطرت فكرة على بال غاريث.

"السكين," قال غاريث. "يجب علينا استرجاعها قبل فوات الأوان."

"ولكنني رميتها يا مولاي," قال فيرث. "لقد أصبحت في قاع النهر الآن."

"لقد قمت برميها باتجاه غرفة القمامة, وهذا لا يعني أنها أصبحت في النهر الآن."

"ولكنها على الأرجح كذلك!" قال فيرث.

لم يعد غاريث يستطيع تحمّل هذا الغبي أكثر من ذلك. تركه واتجه نحو الباب, بينما لحق به فيرث.

"سأذهب معك, سأريك أين قمت برميها بالتحديد." قال فيرث.

توقف غاريث والتفت باتجاهه محدقاً به. لقد كان مغطى بالدماء, استغرب غاريث كيف أنّ الحراس لم تنتبه لذلك. لقد كان محظوظاً.

"سوف أقول ذلك مرة واحدة فقط," زمجر غاريث بغضب. "سوف تعود إلى غرفتي حالاً, وتقوم بتغيير ملابسك ثمّ تحرقها. وستتخلص من أي آثار للدماء. ثمّ ستختفي من هذه القلعة, ابقى بعيداً عني هذه الليلة. هل تفهمني؟"

قام غاريث بدفعه إلى الخلف, ثم التفت وركض مسرعاً. انطلق عبر الممر, ونزل على الدرج الحجري الحلزوني, ونزل طابقاً تلو طابق, باتجاه غرف الخدم.

وأخيراً, دخل إلى الطابق السفلي, والتفتت رؤوس العديد من الخدم باتجاهه. كانوا يقومون بتنظيف القدور الهائلة ويغلون سطول الماء الكبيرة. كانت النيران الضخمة مستعرة داخل أفران الطوب الكبيرة, والخدم الذين يرتدون المآزر الملونة, غارقين في عرقهم.

وعلى الجانب الآخر من الغرف, وجد غاريث حاوية القمامة الضخمة. كانت الأوساخ والقاذورات تجري عبر المزلق الكبير وتنسكب فيه كل دقيقة.

ركض غاريث باتجاه أقرب خادم, وأمسكه من ذراعه بشدة.

"منذ متى تمّ تفريغ الحاوية آخر مرة؟" سأله غاريث.

"تمّ نقلها إلى النهر منذ دقائق فقط, مولاي."

التفت غاريث وخرج من الغرفة بسرعة, ركض باتجاه ممرات القلعة, متجهاً إلى درج الطوارئ, ثمّ خرج إلى الهواء البارد.

ركض داخل حقل العشب وهو يلهث, متجهاً إلى النهر بأقصى سرعته.

وعندما اقترب منه, وجد مكاناً للاختباء خلف شجرة كبيرة بالقرب من حافة النهر. كان يشاهد اثنين من الخدم, يرفعون الحاوية الحديدية الكبيرة ويلقونها داخل تيار النهر المندفع.

كان يشاهد ذلك حتى قاما بتفريغ كافة الحاوية إلى داخل النهر, ثم أعادا الوعاء وعادا أدراجهما باتجاه القلعة.

وأخيراً, شعر غاريث بالارتياح. لم يتمكن أحد من رؤية أية سكين. ومهما حصل فقد أصبحت الآن في تيار النهر, تجري بعيداً. وإذا مات والده الليلة, فلن يكون هناك أي دليلٍ لتعقب القاتل.

أم سيكون هناك؟

الفصل الخامس

تبع تور ريس بعد أن دخلا إلى الممر, وكروهن يركض خلفهما, وهم يشقون طريقهم داخل الممرات الخلفية المؤدية إلى حجرة الملك. كان ريس قد أدخلهم عبر بابٍ سري مخبأ في أحد الجدران الحجرية, وقام بحمل مشعل, ثم بدأ يقودهم وهم يمشون خلف بعضهم كطابور واحد داخل المساحة الضيقة للممرات الداخلية للقلعة ضمن الكثير من اللفات والانعطافات التي تصيب بالدوار. صعدا على درج حجريٍّ ضيق يؤدي إلى ممر آخر. ثمّ وجدا أمامهما درجاً آخر, تعجب تور من مدى تعقيد تلك الممرات والمسارات.

"لقد بُنيت هذه الممرات داخل القلعة منذ مئات السنوات," قال ذلك ريس همساً وهم يشقون طريقهم, كانوا يتنفسون بصعوبة أثناء صعودهم تلك الأدراج. "لقد بُنيت من قبل الجد الأكبر لوالدي, الملك ماكجيل الثالث. قم ببنائها كطريقٍ خاصٍ للهروب, بعد أن استمر عليهن حصار لمدة طويلة. ولسخرية القدر, أنّ ذلك الحصار لم يتكرر منذ تلك الفترة, ولم يتم استخدام تلك الممرات لقرون.

لقد كانت مخفية ولكنني اكتشفتها عندما كنت طفلاً. أحب أن استخدمها من وقتٍ لآخر كي أقوم بجولةٍ في القلعة دون أن يعرف أحدٌ مكاني. عندما كنت أصغر سناً, كنا أنا وجوين و غودفري نلعب الغميضة داخل هذه الممرات. كان كندريك كبيراً و غاريث لا يحب أن يلعب معنا. كنا نلعب بدون مشاعل, كانت تلك قواعد اللعب, داخل ظلامٍ دامس. كان ذلك مرعباً في ذلك الوقت."

كان تور يحاول جاهداً أن يتابع ريس ويبقى بالقرب منه, بينما كان ريس يقدم عرضاً مذهلاً لبراعته في عبور تلك الممرات, كان واضحاً أنه يحفظها عن ظهر قلب.

"كيف يمكنك تذكر كلّ تلك الممرات والاتجاهات؟" سأل تور متعجباً.

"يمكنك أن تفعل ذلك عندما تكبر وحيداً في هذه القلعة," أجاب ريس. "خصوصاً عندما يكون الجميع أكبر سناً منك, وتكون أصغر من الانضمام إلى الفيلق, عندها لن تجد شيئاً آخر يمكنك القيام به. لقد جعلت ذلك عملي, أن اكتشف كل زاوية وركن في هذا المكان."

التفا مرةً أخرى, ونزلا على ثلاث درجاتٍ حجرية, ثم دخلا داخل فتحةٍ ضيقةٍ في الجدار. ثمّ نزلا على درجٍ طويل. وأخيراً, أوصلهم ريس إلى بابٍ سيمكٍ من البلوط, معطىً بالغبار. وضع ريس إحدى أذنيه على الباب محاولاً الاستماع. ثمّ تقدم تور إلى جانبه.

"ما هو هذا الباب؟" قال تور.

"اششش," قال ريس.

"سكت تور ووضع أذنه على الباب, مستمعاً. ووقف كروهن خلفهما ينظر إلى الأعلى.

"إنه الباب الخلفي لحجرة والدي," همس ريس. "أريد أن أسمع من يوجد في الداخل معه."

استمع تور وقلبه يخفق بشدة, سمع أصواتاً خافتة خلف ذاك الباب.

"يبدو من الأصوات أن الغرفة ممتلئة," قال ريس.

التفت ريس ونظر إلى تور نظرةً ذات مغزى.

"سوف تكون كالذي يمشي داخل عاصفة. سيكون قادة الجيش هناك ومجلس الشورى والعائلة والجميع. أنا متأكدٌ من أن كل واحدٍ منهم سوف ينظر إليك على أنك القاتل المحتمل. سيكون ذلك كالمشي بين الحشود الغاضبة التي تريد قتلك. إذا كان والدي لا يزال يعتقد بأنك من حاول اغتياله, فستكون انتهيت. هل أنت متأكدٌ من أنك لا تزال تريد القيام بذلك؟"

تنفس تور بصعوبة, إنها الآن أو أبداً. أصبحت حنجرته جافة, بينما أدرك أن هذه ستكون إحدى مفارق الطرق في حياته. ستكون العودة والفرار أمراً سهلاً بالنسبة له الآن. يمكنه أن يعيش حياةً آمنةً في مكان ما, بعيداً عن البلاط الملكي. أو سيدخل من ذلك الباب, وسيقضي حياته داخل زنزانة, مع أولئك المشوهين, أو حتى من الممكن أن يتم إعدامه.

أخذ تور نفساً عميقاً, وأخذ قراره. سيكون عليه ان يواجه شياطينه وجهاً لوجه, لا يمكنه أن يتراجع.

أومأ تور برأسه, كان يخشى أن يفتح فمه ويتكلم, لأنه إذا فعل ذلك من الممكن أن يغير رأيه.

نظر إليه ريس نظرة موافقة, ثمّ دفع مقبض الباب إلى الأسفل بكل قوته.

حدّق تور بعينيه النصف مغمضتين, بينما أصبح الباب مفتوحاً أمامه, وجد نفسه واقفاً في وسط حجرة الملك الخاص, وريس وكروهن يقفان إلى جانبه.

كان هناك على الأقل حوالي خمسة وعشرين شخصاً يقفون حول الملك باكتظاظ. كان الملك ملقاً على سريره, يقف البعض فوق رأسه ويجثو بعضهم على ركبه. كان حول الملك القادة والمستشارون, يقفون إلى جانب كلٍّ من أرجون والملكة وكندريك و غودفري وحتى, جويندولين. كان تلك وقفة موت, وكان تور يتطفل على ذلك الشأن العائلي الخاص.

كان جو الغرفة كئيباً,و الوجوه مكفهرة. كان ماكجيل مستلقياً على سريره ومسنوداً بالوسائد, وشعر تور ببعض الارتياح عندما رآه ما زال على قيد الحياة, على الأٌقل في الوقت الحالي.

تحولت الوجوه في وقتٍ واحد باتجاه تور, مذهولةً بدخول ريس وتور المفاجئ. أدرك تور سبب تلك النظرة المتفاجئة, فقد ظهرا في وسط الغرفة, ومن الباب السري داخل الجدار الحجري.

"هذا هو الفتى!" صاح شخصٌ من الحشد مشيراً إلى تور بكراهية. "إنّه واحدٌ من الذين حاولوا تسميم الملك."

هجم الحراس من جميع أنحاء الغرفة باتجاه تور, وبالكاد كان يعرف ما الذي عليه القيام به. هناك شيءٌ ما في داخله كان يحثّه على الالتفات والفرار, ولكنه يعلم أن عليه مواجهة تلك الجماهير الغاضبة, كان عليه أن يبرئ اسمه أمام الملك. ولذلك استجمع تور قواه, بينما كان الحراس قد ركضوا باتجاهه وأمسكوا به. وكروهن يقف بجانبه ويحاول مهاجمة الحراس بغضبٍ شديد.

بينما كان تور يقف هناك, شعر بحرارةٍ كبيرة ترتفع داخل جسده, بقوةٍ تسري داخل ضلوعه. وبشكلٍ لا إرادي رفع تور إحدى يديه وأطلق طاقته تلك من راحة كفّه باتجاه أولئك الحراس.

وقف تور متفاجأ من الذي حصل, فقد توقف الحراس في مكانهم كما لو كانوا متجمدين. فقد قامت طاقته تلك, مهما كان نوعها, بتثبيتهم في مكانهم.

"كيف تجرؤ على الدخول إلى هنا واستخدام سحرك, أيها الفتى!" صاح بروم, أكبر قادة الملك, وهو يرفع سيفه عالياً باتجاه تور. "أليست محاولة قتل ملكنا مرة واحدة كافيةً بالنسبة لك؟"

اقترب بروم من تور بسيفه المسلول. وبينما كان يفعل ذلك, شعر تور بشيءٍ غريب يتغلب عليه, كان شعوراً أقوى من أي شيءٍ مضى. أغلق تور عينيه ببساطة وقام بالتركيز على سيف بروم, على شكل السيف وعلى معدنه, وبطريقة ما أحسّ أنه السيف أصبح جزءاً منه. وأراد أن يوقف ذلك الشيء في مخيلته.

وقف بروم متجمداً بعينيه المتسعتين, غير قادرٍ على الحراك.

"أرجون!" صاح بروم. "أوقف هذا السحر حالاً, أوقف ذلك الصبي!"

تقدم أرجون من بين الحشد, وأخفض غطاء العباءة على رأسه ببطء. حدّق بتور بشدّة, بعينيه الملتهبتين.

"لا أرى أي سببٍ لإيقافه, لم يأتي إلى هنا لإيذاء أي أحد." قال أرجون.

"هل أنت مجنون؟ سوف يقتل ملكنا!"

"هذا ما كنت أعتقده," قال أرجون. "ولكن ليس هذا ما أراه."

"اتركوه," جاء صوتٌ أجشّ عميق.

التفت الجميع إلى ماكجيل بينما كان يجلس. كان ينظر إليهم بضعفٍ كبير. من الواضح أنّه كان يناضل كثيراً كي يستطيع التكلم.

"أريد أن أرى الصبي. لم يكن هو من قام بطعني, ولم يكن هو دس السم في كأسي. إنّ تور بريء."

وببطء هدء جميع الحراس الموجودين, وقام تور بالاسترخاء قليلاً سامحاً لهم بالتحرك. تراجع الحراس ببطء, وهم ينظرون إلى تور بقلق, كما لو كان من عالمٍ آخر. وببطء أعادوا سيوفهم مرةً أخرى إلى أغمادها.

"أريد أن أراه," قال ماكجيل. "لوحدي, أتركونا جميعاً."

"مولاي," قال بروم. "هل تعتقد بأن ذلك آمن؟ فقط أنت والصبي لوحدكما؟"

"لن يقوم أحد بالاقتراب من تور," قال ماكجيل. "والآن اتركونا, جميعكم. بما في ذلك عائلتي."

خيّم صمتٌ ثقيل في أنحاء الغرفة, بينما كان الجميع يحدقون ببعضهم البعض, غير واثقين مما يجب عليهم القيام به. بينما وقف تور هناك متسمّراً في مكانه, بالكاد قادراً على فهم كل ما يجري.

وواحداً تلو الآخر, بدأ الجميع بالخروج من الحجرة, بما في ذلك أسرة الملك. وغادر كروهن مع ريس. والحجرة التي كانت مليئةً بالناس منذ لحظات, أصبحت فارغة.

تمّ إغلاق الباب. كان هناك الملك وتور فقط, لوحدهما في صمت. بالكاد تمكّن تور من تصديق ذلك. لقد كان يرى ماكجيل ملقاً هناك بوجهه الشاحب, ويتألم بشدة, لقد آلم ذلك تور أكثر من أيّ شيءٍ آخر. لم يكن تور يستطيع فهم الأمر, ولكن كان ذلك كما لو أنّ جزءاً منه كان يموت هناك أيضاً, على ذلك السرير. كان يريد أن يكون الملك بخير أكثر من أي شيءٍ آخر.

"تعال إلى هنا أيها الفتى," قال ماكجيل بصوته الأجش الضعيف, وكأنه يهمس همساً.

أخفض تور رأسه وأسرع إلى جانب الملك, وركع أمامه. مد الملك يده كي يمسك بيد تور, قام تور بأخذ يد الملك وقبلها.

نظر تور إلى الأعلى ورأى الملك ماكجيل يبتسم بصعوبة. تفاجأ تور عندما شعر بتلك الدموع الساخنة وهي تجري على وجنتيه.

"مولاي," بدأ تور مندفعاً وغير قادرٍ على الاحتفاظ بذلك داخله. "أرجوك صدقني, لم أكن أريد تسميمك. عرفت عن تلك المؤامرة من حلمي, بسبب بعض قواي التي لا أعرف مصدرها. أردت فقط أن أقوم بتحذيركم. أرجوك, صدقني."

شدّ الملك على يد تور, وشعر تور بأن عليه أن يصمت.

"لقد كنت مخطئاً بشأنك," قال ماكجيل. لقد طُعنت على يد شخصٍ آخر وهذا يثبت أنك لم تكن أنت. لقد كنت تحاول إنقاذي فقط. سامحني, فقد كنت من المخلصين. ربما كنت الشخص الوحيد المخلص لي في المملكة."

"كم تمنيت لو كنت مخطئاً," قال تور. "كم أتمنى لو كنت آمناً الآن, وأن تكون أحلامي مجرد أوهام, وأنك لم تتعرض لمكروهٍ أبداً. ربما كنت مخطئاً, ربما ستبقى على قيد الحياة."

أومأ ماكجيل رأسه بالنفي.

"لقد حانت منيّتي," قال ماكجيل لتور.

شعر تور بغصّة داخله, كان يأمل ألّا يكون ذلك صحيحاً, ولكنه كذلك.

"هل تعرف من قام بهذا الفعل الرهيب يا مولاي؟" سأل تور ذلك السؤال الذي ظلّ يدور في عقله منذ أن رأى ذلك الحلم. لم يكن يتخيل من الممكن أن يقوم بقتل الملك, أو لماذا يقوم بذلك.

"لقد رأيت وجهه, إنه وجه أعرفه جيداً, ولكن لسببٍ ما, لم أستطع تحديده."

التفت الملك ونظر إلى تور.

"هذا لا يهم الآن, لقد حانت منيّتي. سواءً كان ذلك عن طريقه أو عن طريق أحدٍ آخر. ستبقى النهاية نفسها," قال ذلك ثمّ مدّ يده مرة أخرى وشدّ على معصم تور بقوةٍ فاجأته. "ما يهم الآن هو ما سيحدث بعد رحيلي, ستكون مملكتنا بلا ملك."

نظر ماكجيل إلى تور نظرةً حادة لم يفهمها. لم يكن يعرف بالضبط ما الذي كان ماكجيل يقوله, وما الذي كان يشير إليه. أراد تور أن يسأل, ولكنه رأى كيف أنّ ماكجيل يلتقط أنفاسه بصعوبة, ولم يكن يريد أن يخاطر بمقاطعته.

"كان أرجون محقاً بشأنك," قال وهو يترك يده ببطء. "قدرك سيكون أكبر مني بكثير."

شعر تور بقشعريرة تسري خلال جسده وهو يسمع كلمات الملك. قدره؟ أكبر من قدر الملك؟ كانت مجرد فكرة أن الملك كلّف نفسه عناء مناقشة أمر تور مع أرجون, يصعب عليه فهمهما. وما الذي يمكن أن يعنيه بحقيقة أن مصير تور وقدره سيكون أكبر من قدر الملك. هل كان الملك ماكجيل يهلوس في لحظاته الأخيرة تلك؟

"لقد اخترتك.. لقد اخترتك كي تكون من عائلتي لسببٍ محدد. هل تعرف ما هو هذا السبب؟"

أومأ تور برأسه بالنفي, يريد ان يعرف ذلك بشدة.

"ألم تعرف لماذا أردتك أن تكون هنا, فقط أنت, في لحظاتي الأخيرة؟"

"أنا آسف يا مولاي," قال تور وهو يهزّ رأسه. "لا أعرف."

ابتسم ماكجيل بضعف, وبدأت عيناه تنغلقان.

"هناك أرضٌ كبيرة, بعيداً من هنا. خلف البراري, وحتى خلف أرض التنين. إنها أرض الدرويدس, حيث تنحدر أمك. يجب عليك أن تذهب إلى هناك كي تحصل على الإجابات."

توسّعت عينا الملك وهو يحدق بتور بشدةٍ لم يستطع تور فهمها.

"مملكتنا تعتمد عليك," أنت لست كالآخرين, أنت خاص. وحتى تفهم من أنت, لن تنعم مملكتنا بالرخاء أبداً."

أخذت عيون ماكجيل تنطبق وأنفاسه تزداد صعوبة, أصبح كل نفس يحتاج لحظات حتى يخرج. بدأت قبضته تضعف على معصم تور, وشعر تور بدموعه تنهمر بشدّة. عقله كان يحلّل كل ما قاله الملك, وهو يحاول أن يفهم كل ذلك. لم يكن يستطيع التركيز أبداً. هل سمع كل ذلك بشكل صحيح؟

بدأ ماكجيل بمحاولة قول شيءٍ ما, ولكنه صوته كان كالهمس, لم يستطع تور أن يسمع ذلك. انحنى تور إلى قرب الملك, كي تصبح أذنه قريبةً من فم الملك.

حاول الملك رفع رأسه للمرة الأخيرة, وقال بمحاولةٍ أخيرة:

"انتقم لي."

ثمّ فجاةً, تيّبس جسده. رقد هناك لعدة لحظات, ثمّ مال رأسه إلى الجانب وفُتحت عيناه بشدّة, كان متجمداً في مكانه.

"لا!" صاح تور عالياً.

كان صراخه عالياً كفاية كي يسمعه الحراس جميعاً, لأنه خلال لحظات, سمع الباب يفتح بشدة, وسمع ضجيج عشرات الناس تسرع إلى الغرفة. وأدرك تور باللاوعي أن هناك حركةً في كافة الأنحاء حوله. سمع من بعيد أجراس القلعة تقرع, مراراً وتكراراً. كان يحسّ بصوت الأجراس تقرع داخل رأسه, ويشعر بالدم يغلي داخله. ولكن خلال لحظات أصبح كل شيءٍ ضبابياً, وشعر بالغرفة تدور به.

كان تور قد بدأ يغمى عليه, ثمّ سقط ككتلةٍ واحدةٍ على الأرض الحجرية.

Ücretsiz ön izlemeyi tamamladınız.

₺72,54
Yaş sınırı:
16+
Litres'teki yayın tarihi:
10 ekim 2019
Hacim:
162 s. 5 illüstrasyon
ISBN:
9781632911780
İndirme biçimi:
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin PDF
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 5, 2 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 4,8, 6 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 4,8, 6 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 5, 1 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 5, 2 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre
Metin
Ortalama puan 0, 0 oylamaya göre