Kitabı oku: «السعي من أجل البطولة », sayfa 4
الفصل السادس
انطلق تور عبر الساحة الواسعة, بكل ما لديه من قوة. كان يسمع خطى حراس الملك خلفه, على مقربة منه. لقد طاردوه عبر الأرض الحارة الترابية, يشتمونه و هم يركضون. قبل دخوله كان أفراد الفيلق والمجندين الجدد منتشرين, عشرات من الفتيان, مثله, ولكن أكبر وأقوى. كانوا يتدربون ويُختبرون في تشكيلات مختلفة, بعضهم يرمي الرماح, و الآخر يلقي الحراب, وعددٌ قليل منهم يتدرب على قبضة الرماح. كان يرمون لأهداف بعيدة, ونادرا ما يخطئون الهدف, كانت هذه منافسة بينهم, وكانوا يبدون هائلين.
كان بينهم عشرات من الفرسان الحقيقيين, وأفراد من فرقة الفضة, يقفون في شكل نصف دائرة واسعة يراقبون التدريبات. يحكمون عليهم, و يقررون من سيبقى و من سيتم أرساله إلى دياره.
كان يعلم تور أنه عليه إثبات نفسه, وأن يثير إعجاب هؤلاء الرجال. في غضون لحظات يمكن للحراس أن يحاصروه, وإذا كانت لديه فرصة ليترك انطباعاً لديهم, سيكون الآن هو الوقت المناسب. ولكن كيف, تزاحمت الأفكار في عقله بينما كان يعدو عبر الساحة, مصراً على عدم ابتعاده.
كان تور يهرع عبر الميدان, حين بدأ الآخرون ينتبهون لوجوده. بعض المجندين توقفوا عمّا كانوا يفعلونه واتجهت أنظارهم إلى تور, كما فعل بعض الفرسان أيضاً. في غضون لحظات, شعر تور أن انتباه الجميع مركز عليه, كانوا ينظرون حائرين, وأدرك أنه من المؤكد أنهم يتساءلون من الذي كان, يركض عبر ميدانهم, وثلاثة من الحرس يطاردوه.
لم يكن هذا عن أنه يريد خلق انطباع فقط. كانت هذه حياته كلها, عندما كان يحلم بالانضمام إلى الفيلق, لم يكن هذا ما تخيله.
بينما كان تور يركض و يناقش ما يجب القيام به, رأى أمامه شيئاً لم يكن يتوقعه . كان صبياً كبيراً, من المجندين, قرر أن يأخذ على عاتقه مهمة إيقاف تور ليثير إعجاب الآخرين. كان طويل القامة, ذو عضلات كبيرة, تقريباً ضعف حجم تور, رفع سيفه الخشبي ليوقف طريق تور. تور رأى أن الفتى عازمٌ على إسقاطه أرضاً, ليجعل منه سخرية للجميع, وبالتالي يكسب لنفسه تفوقاً عن غيره من المجندين.
جعل هذا تور غاضباً. لم يكن لدى تور القدرة على الإمساك بهذا الصبي, ثم إن صراعه لم يكن معه. لكن هو من جعلها معركته, فقط للحصول على بعض المزايا عن الآخرين.
عندما اقترب أكثر, لم يستطع تصديق حجم هذا الصبي, كان أطول منه, مكشراً عن أسنانه مع خصلات شعر أسود كثيف تغطي جبينه, وكان يملك أكبر فك عريض رآه تور في حياته. لم يكن يعلم كيف سيواجه هذا الصبي.
رفع الصبي سيفه الخشبي باتجاهه, وعرف تور أنه إن لم يتصرف بسرعة, سوف يرمى خارجاً.
بدأت ردود فعل تور تظهر, أخرج مقلاعه بشكل غريزي, رجع إلى الوراء, وألقى صخرة على يد الصبي. أصابت هدفها وأوقعت السيف من يده, حيث كان الصبي يستعد لضرب تور به, طار السيف في الهواء, وبدأ الصبي بالصراخ, ممسكاً بيده.
لم يُضع تور أي وقت. استعد, مستفيداً من هذه اللحظة, وقفز في الهواء, راكلاً الصبي, غرس قدميه مباشرة على صدر الصبي. ولكن الصبي كان ثخيناً جداً, شعر بأنه ركل شجرة بلوط. تعثر الصبي بضع خطوات فقط, في حين تجمد تور كما هو وسقط عند قدمي الصبي.
هذا لا يبشر بالخير. فكر تور بينما كان يرتطم بالأرض, شعر بدويّ في أذنيه.
حاول النهوض على قدميه, ولكن الصبي كان على بعد خطوة منه. انحنى إلى الأسفل, أمسك تور من ظهره ورماه في الهواء, موقعاً إياه على وجهه في التراب.
تجمع حشد من الصبيان في دائرة حوله يهللون, احمر وجه تور و شعر بالإهانة.
حاول تور النهوض, ولكن الصبي كان سريعاً جداً. في تلك اللحظة كان فوقه, ملقياً تور أرضاً.
قبل أن يدرك تور ذلك, تحولت المواجهة إلى مباراة مصارعة. كان وزن الصبي هائلاً.
كان تور يسمع صيحات المجندين الآخرين وقد شكلوا دائرة حولهم, يصرخون, متلهفين للدماء.
كان وجه الصبي مكفهراً, اقترب الصبي من وجه تور وأراد أن يضع إبهاميه في عيون تور. لم يتمكن تور من تصديق ذلك, يبدو أن هذا الصبي يريد أن يُضرب حقاً. هل يصر بالفعل أن يحصل على امتياز؟
في آخر لحظة, أبعد تور رأسه عن يد الصبي تاركاً يده تغرق في الوحل. استغل تور الفرصة ليتدحرج من تحته.
نهض تور على قدميه واقفاً أمام الصبي, الذي وقف أيضاً. اندفع الصبي موجهاً قبضته نحو وجه تور, استطاع تور أن يتفادى ضربته في الثانية الأخيرة, اندفع الهواء عبر وجهه, وأدرك أنه إذا أصابته قبضة الصبي سيكسر فكه. اقترب تور ولكم الصبي في معدته, ولكنه بالكاد فعل شيئاً, كان مثل ضرب شجرة.
وقبل أن يقوم تور بردة فعل, كان الصبي قد ضرب بمرفقه وجه تور.
تعثر تور إلى الخلف, يعاني من الضربة. كانت مثل ضربة المطرقة, وبدأ يسمع طنيناً في أذنيه.
بينما كان تور متعثراً, لا يزال يحاول التقاط أنفاسه, ركله الصبي بقوة في صدره. ارتفع تور في الهواء وسقط على الأرض, لقد سقط على ظهره. هلل الفتيان الآخرين.
شعر تور بالدوار, و نهض كي يجلس قليلاً, ولكن الصبي اندفع نحوه ولكمه مرة أخرى بقوة في وجهه, مسقطاً تور على ظهره مرة أخرى, لقد كانت هذه الضربة القاضية.
تور كان ملقاً هناك, يسمع هتافات الآخرين, ويشعر بملوحة الدم الذي ينزف من أنفه, و بأثر الضرب على وجهه. لقد كان يتلوى من الألم. نظر إلى الأعلى, كان يستطيع رؤية الصبي الكبير يذهب بعيداً, عائداً إلى أصدقائه, ليحتفل بالفوز معهم.
أراد تور أن يستسلم. كان الصبي ضخماً, وقتاله لم يكن أمراً مجدياً, وقد يصيبه بلكمات أخرى. ولكن شيئاً ما بداخله دفعه, لا يكمن أن يخسر هكذا, ليس أمام هؤلاء الناس.
لا تستسلم. انهض. انهض!
بطريقة ما استعاد تور قوته. تدحرج ونهض على يديه وركبتيه, وهو يئن من الألم, ثم ببطء استطاع النهوض على قدميه.
التفت الصبي الضخم وحدق في تور, هزّ رأسه غير مصدقٍ ما رآه.
"يجب عليك أن تبقى على الأرض, أيها الصبي" قال مهدداً, وهو يمشي مرة أخرى نحو تور.
"كفى" صاح صوت. "إيلدين قف مكانك!"
تدخل فارس فجأة, ووقف بينهم, رافعاً يده في وجه إيلدين لإيقافه. سكت الحشد, كان جميعهم يترقب الفارس, كان من الواضح أنه رجل يستحق الاحترام.
نظر تور برهبة لوجود الفارس. كان في العشرينات من عمره, طويل القامة و عريض المنكبين, صاحب فك عريض و شعر بني مُسَرَّح. أعجب به تور على الفور. درعه من الطراز الأول, وترسه مصنوع من الفضة المصقولة, ومغطاً بعلامات ملكية, شعار الصقر لأسرة ماكجيل. كان قلب تور على وشك أن يتوقف, كان واقفاً وراء فرد من العائلة الملكية, إنه بالكاد يستطيع تصديق ذلك.
"أيها الفتى, عرف عن نفسك." قال لتور. "لماذا دخلت ميداننا بدون دعوة منا؟"
قبل أن يستطيع تور الإجابة, اقتحم ثلاثة أفراد من حرس الملك دائرة الميدان. وقف قائدهم هناك, يتنفس بصعوبة, ويشير بإصبعه إلى تور.
"إنه تحدى أوامرنا!" صاح الحارس. "سأقوم باعتقاله وأخذه إلى برج الملك المحصن!"
"أنا لم أرتكب أي خطأ!" احتج تور.
"لقد فعلت الآن؟" صاح الحارس. "اقتحام ممتلكات الملك بدون دعوة؟"
"كل ما أردته هو فرصة!" صاح تور, والتفت, يتوسل إلى الفارس, فرد العائلة المالكة. "كل ما أردته هو فرصة للانضمام إلى الفيلق!"
"ميدان التدريب هذا فقط للمدعوين أيها الفتى," جاء صوت أجش.
دخل إلى الميدان محارب, في الخمسينيات من العمر, ممتلئ الجسم و أصلع الرأس مع لحية قصيرة, و ندبة على وجهه. كان ينظر كأنه كان جندياً محترفاً طوال حياته, ومن العلامات على سلاحه, والدبوس الذهبي على صدره, كان يبدو أنه قائدهم. تسارعت نبضات قلب تور, لقد كان قائداً.
"أنا لم أكن مدعواً, يا سيدي" قال تور. "هذا صحيح. ولكن كان حلم حياتي أن أكون هنا, كل ما أريده هو فرصة لأظهر لكم ما يمكنني القيام به. أنا جيد بقدر أيّ من هؤلاء المجندين. فقط أعطني فرصة واحدة لإثبات ذلك من فضلك, الانضمام إلى الفيلق هو كل ما حلمت به في حياتي."
"هذه ليست ساحة قتال للحالمين, أيها الفتى," جاء رده بصوته الأجش. " إنها للمقاتلين, ليس هناك استثناءات لقوانيننا, المجندين يتم اختيارهم."
أومأ الجنرال, واقترب حارس الملك من تور, والأغلال في يده.
ولكن فجأة تقدم الفارس فرد العائلة المالكة إلى الأمام وأبعد يده, مانعاً الحارس.
"ربما, في بعض الأحيان, قد يكون هناك استثناء," قال الفارس.
نظر الحارس إليه بذعر, ومن الواضح أنه كان يريد التكلم, ولكن اضطر ليمسك لسانه احتراماً لأحد أفراد الأسرة المالكة.
"أنا معجب بروح التحدي لديك أيها الفتى," تابع الفارس. "قبل أن نخرجك من هنا, أرغب بأن أرى ما الذي يمكنك القيام به."
"لكن كندريك, لدينا قواعد." قال القائد, مستاءً بشكل واضح.
كان يوجد هناك مواجهة, كان الجو مشحوناً. لم يستطع تور تصديق ما الذي فعله.
"أنا أعرف والدي, وأعرف ما الذي كان سيريده. كان سيريد إعطاء هذا الفتى فرصة. وهذا هو ما سنفعله."
تراجع القائد أخيراً, بعد عدة لحظات من التوتر.
التفت كندريك إلى تور, كانت عيون تور تحدق بوجهه الأسمر والقاس. وجه أمير, ولكنه وجه محارب أيضاً.
"سأعطيك فرصة واحدة," قال الفارس لتور. "دعونا نرى إذا كان يمكنك أن تصيب تلك العلامة."
أشار إلى كومة من القش بعيدة في الميدان, مع علامة صغيرة حمراء في وسطها. وقد دخلت العديد من الرماح في القش ولكن لم يصيب أي منها العلامة.
"إذا كنت تستطيع أن تفعل ما لم يستطع فعله أحد من هؤلاء الفتيان, إذا كان بإمكانك أن تصيب تلك العلامة من هنا, عندها يمكن أن تنضم إلينا."
تنحى الفارس جانباً, وتور يستطيع أن يشعر بالعيون التي تراقبه.
لمح حامل الرماح ونظر إلى كل الرماح بعناية. كانوا من خيرة الأنواع الذي رآها في حياته, كانت مصنوعة من خشب البلوط الصلب, ملفوفة بأجود أنواع الجلود. ارتعد تور وهو يخطو إلى الأمام, مسح الدم عن أنفه بظهر يده, وهو يشعر بتوتر لم يشعر به طوال حياته. من الواضح أنه أُعطي مهمة مستحيلة تقريباً. ولكنه كان يجب أن يحاول.
اختار تور رمحاً, لم يكن طويلاً جداً, ولا قصيراً جداً. لقد وزنه في يده, كان ثقيلاً وكبيراً. ليس مثل الذي كان يستخدمه في قريته.
ولكنه كان يشعر أنه ربما, ربما فقط, يمكن أن يصيب تلك العلامة. بغض النظر عن كل هذا, كان رمي الرمح من أفضل مهاراته, بجانب إلقاء الحجارة, والأيام الكثيرة التي أمضاها في البراري أعطته أهدافاً كثيرة لإصابتها. وقد كان دائماً قادراً على إصابة أهداف حتى إخوته لم يستطيعوا إصابتها.
أغمض تور عينيه وتنفس بعمق. إذا أخطأ, ربما سيعتقله الحراس ويجرونه إلى السجن, وحينها ستدمر حظوظه في الانضمام إلى الفيلق للأبد. كل ما كان يحلم به في حياته معلّق على هذه اللحظة.
دون تردد فتح تور عينيه و أخذ خطوتين إلى الأمام, أرجع ذراعه إلى الخلف, وألقى الرمح.
انحبست أنفاسه وهو يشاهده يجري في الهواء.
من فضلك أيها الرب, من فضلك.
ساد صمت قاتل, وكان يمكن لتور أن يشعر بمئات العيون تتابع ذلك.
ثم جاء صوت, صوت لا يمكن أن يخطئ, صوت اختراق الرمح للعلامة. لم يكن تور مضطراً لأن ينظر. كان يعلم فقط أنها كانت إصابة محكمة. كان المسار الذي شعر به حين ترك الرمح يده, و زاوية معصمه, هو ما أخبره بأنها ستصيب.
تجرأ تور على النظر, ورأى مع ارتياح كبير, أنه كان على حق. وجد الرمح في مكانه وسط العلامة الحمراء, الرمح الوحيد الذي كان فيها. لقد فعل ما عجز الآخرون عن فعله.
كان صمت المذهولين يلفه, بينما كان يشاهد أفواه المجندين والفرسان فاغرة في وجهه.
أخيراً, تقدم كندريك و ربت على ظهر تور بقوة, و مع صوت هذا الاستحسان, ابتسم ابتسامة عريضة.
"كنت محقاً" قال كندريك. "يمكنك البقاء!"
"ماذا, يا سيدي!" صرخ حارس الملك "هذا ليس عدلاً! دخل هذا الفتى من دون دعوة!"
"إنه استطاع إصابة تلك العلامة. وهذه الدعوة كافية بالنسبة لي," قال كندريك.
"إنه أصغر سناً وحجماً من الآخرين بكثير. هذا ليس مكاناً للأطفال," قال القائد.
"كنت لأفضّل جندياً صغيراً يمكن أن يصيب هدفه, عن مجرد حمقى لا يستطيعون ذلك." ردّ الفارس.
"رمية حظ!" صرخ الصبي الكبير الذي قاتل تور." لو أعطينا المزيد من الفرص, كنا استطعنا إصابتها أيضاً."
التفت الفارس وحدق في الصبي الذي كان يصرخ.
"هل تستطيع؟" سأله الفارس. "هل يجب أن أراك تفعل ذلك الآن؟ وهل يجب أن نراهن على إبقائك هنا على ذلك؟"
أخفض الصبي الثائر رأسه خجلاً, كان من الواضح أنه ليس على استعداد لقبول العرض.
"ولكن هذا الصبي غريب," احتج القائد. "نحن لا نعرف حتى من أين جاء."
"لقد جاء من المنخفضات" جاء صوت.
التفت الآخرون لمعرفة المتكلم. ولكن تور لم يكن في حاجة لذلك, لقد تعرّف على الصوت. كان الصوت الذي عذبه طوال حياته. صوت شقيقه الأكبر ديريك.
تقدم ديريك مع أخويه, وحدق بتور مع نظرة استهجان.
"اسمه تورجرين, من عشيرة ماكلويد من المنطقة الجنوبية في المملكة الشرقية, أصغر إخوته الأربعة. نحن جميعاً ننحدر من نفس العائلة, إنه يرعى أغنام أبينا!"
انفجر مجموعة من الفتيان والفرسان في الضحك.
تورّد وجه تور من الخجل, كان يتمنى الموت في تلك اللحظة. لم يشعر في حياته بمثل هذا الخجل. كان هذا شقيقه, يسعى دائما ليأخذ لحظة مجده, ويفعل كل ما في وسعه ليهينه.
"هل هو راعي أغنام؟" ردد القائد.
"إذن على أعدائنا أن يحترسوا منه بالتأكيد!" صاح صبي آخر.
كانت هناك موجة أخرى من الضحك, وزاد شعور تور بالإذلال.
"كفى!" صاح كندريك, بحزم.
هدأ الضحك تدريجياً.
"أفضل أن يكون لدي راعي أغنام يستطيع إصابة العلامة أكثر من معظمكم, الذين يبدوا أنهم يجيدون الضحك ولا يجيدون شيئاً أخر ," أضاف كندريك.
بعد ذلك خيّم الصمت على الفتيان, الذين لم يضحكوا الآن.
كان تور ممتناً لكندريك, وتعهد في نفسه أنه سيرد له هذا بأي طريقة. بغض النظر عما سيحدث لتور, هذا الرجل استعاد له كرامته.
"ألا تعلم أيها الصبي, أنه ليس من شيم المحارب الثرثرة عن أصدقائه. و كيف إذا كان من عائلته, أخوه من دمه؟" سأل الفارس ديريك.
نظر ديريك إلى الأسفل, مرتبكاً, كانت هذه إحدى المرات النادرة التي رآه تور فيها متوتر.
ولكن دروس, شقيقه الآخر, تقدم واحتج: "ولكن تور لم يكن مختاراً حتى, نحن من تمّ اختيارنا. لقد تبعنا إلى هنا."
"أنا لا أتبعكم," اعترض تور, وقد تكلم أخيراً. "أنا هنا من أجل الفيلق, ليس من أجلك."
"لا يهم لماذا هو هنا," قال القائد بانزعاجٍ وهو يتقدم. "لقد أضاع وقتنا. نعم, كانت رمية رمح جيدة, لكنه مع ذلك لا يمكنه الانضمام إلينا. ليس لديه فارس يكفله, ولا يوجد مجنّدٌ مستعد ليكون شريكه."
"أنا سأكون شريكه’" خرج صوت.
رآه تور, بين الآخرين. كان متفاجئاً لرؤيته, يقف على بعد أمتار قليلة. صبيٌّ من عمره, في الواقع كان يبدو مثله, باستثناء شعره الأشقر وعيونه الخضراء اللامعة. يرتدي الدرع الملكي الأكثر جمالاً بين الجميع, ترسٌ مغطى بعلامات قرمزية و سوداء, فردٌ آخر من العائلة الملكية.
"مستحيل," قال القائد. "لا يمكن لفردٍ من العائلة الملكية أن يكون شريكاً لأحدٍ من العامة."
"أستطيع عندما أختار ذلك," ردّ الصبي مرة أخرى. "وأنا أقول أن تورجرين سيكون شريكي."
"حتى لو قبلنا بذلك," قال الجنرال, "هذا لا يهم لأنه لا يوجد فارس ليكفله."
"أنا أكفله" جاء صوت.
التفت الجميع إلى الاتجاه الآخر, عندها ساد الصمت بين الآخرين.
التفت تور ورأى فارساً على حصان, مع درع جميل برّاق ويضع كل أنواع الأسلحة على حزامه. كان متألقاً وكأنك تنظر إلى الشمس. أدرك تور من خلال سلوكه, والعلامات على خوذته أنه كان مختلفاً عن الآخرين, كان بطلاً.
تعرف تور على هذا الفارس. لقد سبق ورأى لوحات له, وسمع عن أسطورته.
إنه إيريك, لم يستطع تصديق ذلك. كان أعظم فارس في الطوق.
"ولكن يا سيدي, لديك مجند بالفعل," احتج القائد.
"إذن سيكون لدي اثنين," أجاب إيريك بصوت عميق وواثق.
عمّ الذهول كل المجموعة.
"إذن لم يبقى هناك شيء لقوله," قال كندريك. "تورجرين لديه كفيل وشريك, تمّ حل المسألة. وهو الآن عضو في الفيلق."
"ولكن نسيت الأمر الذي يتعلق بي!" صرخ حارس الملك, وهو يخطو إلى الأمام. "لا شيء من هذا يلغي حقيقة أن الفتى قد ضرب فرداً في حرس الملك, و إنه يجب أن يعاقب. يجب أن تأخذ العدالة مجراها!"
"ستأخذ العدالة مجراها," كان صوت كندريك يمكن أن يقطع الفولاذ. "ولكن سيكون ذلك بتقديري. وليس بتقديرك."
"لكن سيدي, يجب أن يوضع على عمود الجلد! ليكون عبرة للآخرين!"
"إذا واصلت الكلام, أنت من سيذهب إلى عمود الجلد." صرخ كندريك على الحارس.
أخيراً, تراجع الحارس إلى الخلف, على مضض, التفت ومشى بعيداً. أحمر الوجه, يحملق بغضب في تور.
"إذن لقد صدر القرار," قال كندريك بصوت عال. "لنرحب بتورجرين فرداً في فيلق الملك!"
هتف حشد الفتية والفرسان ثم ابتعدوا, عائدين إلى تدريبهم.
شعر تور بخدر من هول الصدمة, بالكاد يستطيع تصديق ذلك. إنه الآن فرد في فيلق الملك, كان ذلك كالحلم.
التفت تور إلى كندريك, بامتنان كبير لا يستطيع التعبير عنه. لم يكن في حياته قد اهتم شخص لأمره من قبل, أو بذل شيئاً من أجله لحمايته. كان شعوراً غريباً, إنه يشعر بقربه من هذا الرجل أكثر من والده.
" لا أعرف كيف أشكرك," قال تور. "أنا مدين لك."
ابتسم كندريك. "اسمي كندريك, يجب أن تتذكره جيداً. أنا الابن الأكبر للملك. أنا معجب بشجاعتك, يجب أن تكون إضافة ممتازة إلى هذه المجموعة."
التفت تور وسارع إلى اتجاه آخر, وحين فعل ذلك, مرّ من جانبه الفتى الضخم إيلدين الذي قاتله تور.
"انتبه على نفسك," قال الصبي. "نحن ننام في الثكنات نفسها, كما تعلم. لا تعتقد للحظة أنك في أمان."
التفت الصبي وسارع إلى الأمام قبل أن يتمكن تور حتى من الإجابة, لقد أصبح لديه عدو حقاّ.
وكان قد بدأ يتساءل ماذا كان ينتظره, عندما سارع ابن الملك الأصغر إليه.
"لا تكترث به," قال لتور. "إنه دائما يحب المعارك, أنا ريس."
"شكراً لك," قال تور, وقد مد يده إليه. "لاختياري مرافقك, لا أعرف ما الذي كنت سأفعله لولا ذلك."
"أنا سعيد لاختيار شخص تصدى لهذه الوحشية," قال ريس بسعادة. "كانت تلك معركة جيدة."
"هل تمزح؟" سأل تور, وقد اصفر وجهه وشعر بآلام الضرب مرة أخرى. "لقد قتلني."
"لكنك لم تستلم," قال ريس. "بشكل مثير للإعجاب. أي من الآخرين كان سيكتفي بالاستسلام. ورمية الرمح لقد كانت رمية كالخيال, كيف تعلمت الرمي بهذا الشكل؟ يجب أن نبقى شركاء مدى الحياة!" نظر إلى تور نظرة ذات مغزى وهو يصافحه.
"وأصدقاء أيضاً, يمكنني الشعور بذلك." أكمل ريس.
لم يستطع تور الرد على ذلك ولكنه شعر أنه صنع صديق مدى الحياة.
فجأة, دُفع تور من الجانب.
التفت ورأى صبياً يكبره سناً واقفاً هناك, مع جلد يملأه البثور ووجه طويل ونحيل.
"أنا فايثغولد, مرافق إيريك. أنت الآن مرافقه الثاني. ما يعني أنني ستستجيب لي, و نحن لدينا مباراة في غضون دقائق. هل ستقف هكذا هناك بينما أصبحت شريكاً للفارس الأكثر شهرة في المملكة؟ اتبعني, بسرعة!"
كان ريس قد ذهب بعيداً. سارع تور خلف شريكه بينما كان يركض عبر الميدان, لم يكن لديه فكرة عن طريقهم, لكنه لم يهتم. لقد كان يشعر بسعادة غامرة, لقد فعلها أخيراً.
الفصل السابع
سارع جاريث عبر بلاط الملك, يرتدي رداءه الملكي, يندفع عبر الجماهير التي تدفقت من كل الجهات لحضور زفاف شقيقته وهو غاضب. كان ما يزال يعاني بسبب لقائه مع والده, كيف كان ذلك ممكناً؟ أن والده لم يختره كوريث للعرش؟ لم يكن هذا منطقياً. لقد كان الابن الأول الشرعي, كانت هذا الطريق إلى العرش دائماً. كان دائماً من وقت ولادته, يفترض أنه الوريث, لم يكن لديه سبب للتفكير خلاف ذلك.
كان هذا غير معقولاً. تنحيته جانباً لأخ أصغر منه وفتاة, ليس هناك أسوأ من هذا. عندما ينتشر الخبر, سيصبح أضحوكة المملكة.
بينما كان يسير, كان يشعر بأن الرياح تدفعه بعيداً ولم يعرف كيف يلتقط أنفاسه.
بينما كان يمشي تعثر في طريقه مع الجماهير إلى حفل زفاف أخته الكبرى. نظر حوله و رأى العديد من الجلاليب الملونة, و أعدادٌ لا حصر لها من الناس, جميع الأقوام المختلفين من جميع المقاطعات المختلفة. كان يكره أن يكون قريباً من العامة لهذه الدرجة. كانت هذه المرة الأولى التي يمكن للفقراء فيها الاختلاط مع الأغنياء, والمرة الوحيدة التي سُمح لهؤلاء البربريين من المملكة الشرقية, من الجانب الآخر من المرتفعات بالقدوم أيضاً. لا يزال جاريث لا يمكنه تصور أن أخته ستتزوج واحداً منهم. كانت مجرد حركة سياسية من قبل والده, محاولة مثيرة للشفقة لصنع السلام بين الممالك.
الأكثر غرابة, بدا له أن أخته تحب فعلا ذلك المخلوق. لم يستطع جاريث تخيل السبب. لقد كان يعرفها, لم يكن الرجل التي تحب, ولكن فرصة أن تصبح ملكة مقاطعتها الخاصة هي التي جعلتها سعيدة. وربما ستحصل على ما تستحق, كانوا جميعاً متوحشين, أولئك الذين يعيشون على الجانب الآخر من المرتفعات.
في قرارة جاريث, كان يرى أنهم يفتقرون إلى تمدنه و ثقافته الرفيعة. لم يكن هذا يعنيه كثيراً. إذا كانت أخته سعيدة, فلتتزوجه. كان ذلك يعني عدد أخوة أقل يقفون في طريقه إلى العرش. في الواقع, كلما كانت أبعد, كان ذلك أفضل.
لن يقلقه أيّ من هذا بعد الآن. بعد اليوم, لن يكون ملكاً أبداً. الآن سيكون مجرد أمير آخر مجهول في مملكة والده. لن يكون لديه طريق إلى السلطة, ستكتب عليه حياة الوسطية.
لقد استهان والده به, كان يفعل ذلك دائماً. لقد كان والده يعتبر نفسه داهية, ولكن من الناحية السياسية كان جاريث أكثر دهاء بكثير.
على سبيل المثال, بالنسبة لزواج لواندا إلى ماكلاود, كان والده يعتبر نفسه سياسياً بارع. ولكن جاريث كان لديه بعد نظر أكثر, كان يستطيع أن يرى انعكاسات الأمور, ويرى أبعد من والده. إنه يعرف أين سيؤدي هذا الأمر. في نهاية المطاف, إن هذا الزواج لن يرضي ماكلاود ولكن سيشجعهم.
كانوا متوحشين, لذلك من الممكن أن يروا أن هذا السلام لا يقدم دليلاً على القوة, بل على الضعف. إنهم لن يهتموا للروابط بين الأسر, وبمجرد أن تُأخذ شقيقته بعيداً, سيخططون لشن هجوم, كان جاريث متأكداً من ذلك. كانت هذه كلها حيلة. كان قد حاول إخبار والده بذلك, ولكنه لم يستمع له.
لن يقلقه شيء من هذا بعد الآن. بعد كل هذا, هو الآن مجرد أمير آخر, مجرد شخص ثانوي في المملكة. كانت تلك الأفكار تشعل النار في صدر جاريث, وتجعله يكره والده بشكل لم يتصوره يوماً. بينما كان محشوراً بين الجماهير, كان يفكر بسبل للانتقام, طرق تمكنه من الحصول على العرش بعد كل شيء. إنه لا يستطيع أن يجلس مكتوف اليدين, مثل البقية. لا يمكن له أن يسمح لمنصب الملك أن ينتقل إلى شقيقته الصغرى.
"ها قد أتيت" جاء صوت.
كان فيرث, يمشي ليصل إلى جواره, وهو يرسم على وجهه ابتسامة المرح ويكشف عن أسنانه الرائعة. كان في الثامنة عشر من عمره, طويل القامة و نحيلاً, بصوت عال وبشرة ناعمة وخدود وردية, كان فيرث محبوبه في ذلك الوقت. كان جاريث عادة يصبح سعيداً لرؤيته, ولكن لم يكن بمزاج يسمح له بذلك الآن.
"أعتقد أنك تتجنبي اليوم," أضاف فيرث, وهو يضمه بذراع واحدة حول خصره بينما تابعا السير.
أبعد جاريث يده على الفور, وهو ينظر متأكداً بأن أحدا لم يره.
"هل أنت غبي؟" وبّخه جاريث. "لا يمكنك أن تضمني أمام العامة مرة أخرى أبداً."
أطرق فيرث رأسه, وقد احمر وجهه. "أنا آسف, لم أفكر بذلك."
"هذا صحيح, لم تفكر. افعل ذلك مرة أخرى, ولن أراك مجدداً," وبّخه جاريث مرة أخرى.
بدا على وجه فيرث الأسف. "أنا آسف" كرر فيرث ذلك.
تحقق جاريث مرة أخرى, و شعر بثقة أن أحد لم يراه, و شعر بالتحسن قليلاً.
"ماهي الثرثرة التي تدور بين الجماهير؟" سأل جاريث, وهو يرغب في تغيير الموضوع, ليبعد أفكاره السوداء.
استرد تور معنوياته فوراً واستعاد ابتسامته.
"الجميع ينتظر المتوقع, كلهم ينتظرون الإعلان عن الوريث."
أطرق جاريث وجهه. عاين فيرث وجهه.
"أليس أنت؟" سأله فيرث, مرتاباً.
احمر وجه جاريث بينما كان يسير, مبعداً عيناه عن عيون فيرث.
"لا."
شهق فيرث.
"لقد قام بتنحيتي. هل تصدق ذلك؟ واختار أختي, أختي الأصغر سناً."
الآن أصابت الصدمة فيرث.
"هذا مستحيل," قال فيرث. "أنت البكر و هي امرأة, هذا غير ممكن."
نظر جاريث إليه و قد تجمد في مكانه, "أنا لا أكذب."
سار الاثنان لبعض الوقت في صمت, وكلما تقدما كان الحشد يزيد ازدحاماً, نظر جاريث حوله, وبدأ يدرك أين كان. كان بلاط الملك مزدحماً كلياً, كان من المؤكد أنه يوجد الآلاف من الناس محتشدون من كل مدخل. كان الجميع يشق طريقه نحو منصة الزفاف, حول ما يقارب ألف كرسي موضوع على الأقل من أجمل الكراسي, مع وسائد مغطاة بالمخمل الأحمر, بإطارات ذهبية. و جيش من الموظفين يدور صعوداً ونزولا في الأروقة, يُجلسون الناس, ويقدمون المشروبات.
على جانبي ممشى الزفاف الطويل اللامتناهي, الذي تناثرت فيه الزهور, جلست عائلتا ماكجيل و ماكلاود. كان هناك المئات على الجانبين, كل منهم يرتدي أفضل ما لديه, عائلة ماكجيل بلون عشيرتهم الأرجواني الداكن, وعائلة ماكلاود بلونهم البرتقالي المحروق.
بعيون جاريث, كانت العشيرتان لا يبدوان مختلفان, ورغم أن كلّاً منهم متزين بترف, كان يشعر أن الماكلاود كانوا يرتدون هذا لمجرد التباهي والتظاهر. كانوا متوحشين تحت ملابسهم, يمكنه أن يرى ذلك في تعبيرات وجوههم, وفي الطريقة التي يتنقلون بها, ويزاحمون بعضهم البعض و الطريقة التي يضحكون بها بصوت عال.
كان فيهم شيء تحت مظهرهم الخارجي لا يمكن أن تخفيها الملابس الملكية. كان مستاءً لوجودهم داخل البلاط الملكي الخاص بالماكجيل. إنه مستاء من هذا الزفاف بأكمله, كان قراراً أحمقاً آخر من قرارات والده.
لو كان جاريث الملك, لكان نفذ خطة مختلفة. كان قد حضر لهذا الزفاف أيضاً. ولكن بعد ذلك سينتظر حتى وقت متأخر من الليل, حتى يغرق الماكلاود في الشراب, عندها يغلق أبواب القاعة, ويحرقهم في نار عظيمة, ويقتلهم كلهم في ضربة واحدة نظيفة.
"المتوحشون," قال فيرث, وهو يتفحص الجانب الآخر من ممشى الزفاف. " لا يمكن أن أتخيل سبب سماح والدك لهم بالدخول."
"يجب أن يفتعل هذا أحداث مثيرة بعد اليوم," قال جاريث. "لقد دعا أعدائنا إلى داخل بلاطنا, ثم يرتب لمباريات في حفل زفاف اليوم. هل هناك وصفة أفضل لخلق المصادمات."
"هل تعتقد هذا؟" سأل فيرث. "معركة, و هنا؟ و بالرغم من وجود كل هؤلاء الجنود؟ وفي يوم زفافها؟"
هز كتفيه مستهجناً. لم يأخذ بالاعتبار ماضي ماكلاود.
"حرمة يوم الزفاف لا تعني شيئاً بالنسبة لهم." قال جاريث.
"لكن لدينا الآلاف من الجنود هنا."
"ولهم كذلك."
نظر جاريث ورأى سلسلة طويلة من جنود الماكجيل و الماكلاود يصطفون تباعاً على جانبي الأسوار.
إنهم لم يكونوا ليجلبوا الكثير من الجنود, لو لم يكونوا يتوقعون حصول مناوشة, كان يعرف ذلك. على الرغم من الحفل و اللباس الرائع و الإسراف في الإعداد و المآدب التي لا نهاية لها من الطعام و الصيف الذي في أجمل حالاته و على الرغم من الزهور, على الرغم من كل شيء, لا يزال هناك توتر ثقيل يسود في الأرجاء.
كان الجميع متوتراً, كان جاريث يستطيع الشعور بذلك من طريقة تزاحمهم, وهم يتدافعون بأكواعهم. لم يكن يثق أحدهم بالآخر.
كان جاريث يفكر, أنه ربما يكون محظوظاً, و يطعن أحدهم والده في قلبه, ربما حينها يمكنه أن يصبح ملك بكل الأحوال.
"أعتقد أننا لا يمكن أن نجلس معاً," قال فيرث وخيبة الأمل تعلو وجهه, حين اقتربا من مكان الجلوس.
ألقى عليه جاريث نظرة ازدراء. "كم أنت غبي؟" قال بحقد.
بدأ جاريث يتساءل بجدية عما إذا كانت فكرة اختيار هذا الصبي كعشيقه فكرة جيدة. إن لم يبعده عن طريقه بأسرع وقت, يمكن أن يتسبب بطرد كلاهما.
"سوف أراك لاحقاً, في الإسطبلات. ارحل الآن," قال جاريث, ودفعه قليلاً, اختفى فيرث بين الحشود.
فجأة, شعر جاريث بقبضة جليدية على ذراعه. للحظة كاد قلبه أن يتوقف, وقد تساءل إن كان قد تم اكتشافه, ولكن بعد ذلك شعر بأظافر طويلة, وأصابع رقيقة تغرس في جلده, وعرف على الفور أنها قبضة زوجته, هيلانة.
"لا تحرجني في هذا اليوم," همست والكراهية في صوتها.
التفت إليها وتمعّن في وجهها. إنها تبدو جميلة, مرتدية ثوباً طويلاً من الساتان الأبيض, وقد رفعت شعرها بدبابيس, مرتدية قلادتها الألماسية الرائعة, وقد زينت وجهها بقليل من مستحضرات التجميل. كان يمكن لجاريث أن يرى بشكل واضح أنها كانت جميلة, جميلة كما كانت في اليوم الذي تزوجها. لكنه ما يزال لا يشعر بأيّ جاذبية نحوها. كانت تلك فكرة أخرى من أفكار والده, في محاولة لإبعاده عن طبيعته. ولكن كل ما فعله هو ترك مرارة في نفسه, وإثارة المزيد من التكهنات في المملكة عن ميوله الحقيقية.
"إنه يوم زفاف أختك," قالت موبخة. "يمكنك التصرف كما لو أننا زوجين لمرة واحدة."
طوقت ذراعه بذراعها وسارا نحو منطقة محجوزة مطوقة بالمخمل, سمح لهما اثنان من الحرس الملكي بالمرور و اختلطا ببقية أفراد العائلة المالكة في المنصة الأساسية للممشى.
نُفخ البوق ثمّ ببطء, عمّ الصمت بين الحشد. عُزفت موسيقا لطيفة من قيثارة, وتناثرت المزيد من الزهور على طول الممشى, وبدأ الموكب الملكي بالسير, الأزواج يطوقون الذراع بالذراع. كان جاريث يطوق هيلانة, وبدأ يسير في الممشى معها.
أحس جاريث بأنه بارز للجميع, وشعر بالإحراج أكثر, لا يكاد يعرف كيف يجعل حبه يبدو حقيقياً.
شعر بمئات العيون عليه, وشعر كأنهم يقيمونه بنظراتهم, بالرغم أنه يعرف أنهم لا يفعلون ذلك. تمنى لو أن الممشى كان أقصر, لم يكن يستطيع الانتظار للوصول إلى نهايته, والوقوف بالقرب من أخته في المذبح وتجاوز تلك المشاعر. كما أنه لم يتوقف عن التفكير في لقاءه مع والده, و تساءل إذا ما كان الحاضرون يعرفون بالخبر.
"وصلتني اليوم أخبار سيئة," همس إلى هيلانة عند وصولهم إلى نهاية الممشى, وقد ابتعدت العيون عنهم؟
"هل تعتقد أنني لا أعرف ذلك مسبقاً؟" قالت هيلانة.
التفت ونظر في وجهها متفاجئاً.
نظرت مرة أخرى إليه باحتقار. "لدي جواسيسي," قالت.
ضاقت عينا جاريث وقد كان يرغب في إيذائها. كيف يمكن لها أن تكون غير مكترثةٍ لذلك؟
"إذا لم أكن الملك, حينها أنت لن تكوني ملكة أيضاً." قال جاريث.
"لم أتوقع أن أكون ملكة في يوم من الأيام," أجابت.
تفاجأ جاريث أكثر.
"لم أكن أتوقع أن يعينك وريثه," أضافت. "لماذا يفعل هذا, أنت لست قائداً. أنت لست أكثر من معشوق, ولكنك لست معشوقي."
احمر وجه تور.
"ولا أنت أيضاً," قال لها.
كان دورها في الاحمرار, لم تكن الوحيدة التي كان لها جواسيس. كان لجاريث جواسيس أيضاً وقد أخبروه بمآثرها. كان قد سمح لها بأن تفعل ما يحلو لها, طالما أنها تفعل ذلك بسرية, وتتركه وحيداً.
"وكأنك أعطيتني خياراً غير ذلك," أجابت. "هل تتوقع مني أن أبقى عازبة بقية حياتي؟"
"كنتي تعرفين من أنا," أجاب. "ومع ذلك اخترت الزواج مني, اخترت السلطة و ليس الحب. لا تمثلي دور الضحية."
"لقد كان زواجنا مرتباً," قالت. "أنا لم أختر أي شيء."
"ولكنك لم تعترضي." أجاب جاريث.
لم يكن لدى جاريث الطاقة للجدال معها اليوم. لقد كانت دعامة جيدة, زوجة دمية. يمكنه أن يسامحها, وهي يمكن أن تكون مفيدة في بعض الأحيان. طالما أنها لا تزعجه كثيراً.
كان جاريث يشاهد بسخرية كبيرة بينما التفت الجميع لمشاهدة أخته البكر تسير في الممشى مع والده, ذلك المخلوق. كان وقحاً لدرجة أن لديه الجرأة ليختلق الحزن, ويمسح دموعه بينما كان يسير معها. كان ممثلاً بارعاً يؤدي دوره إلى النهاية. ولكن في عيون جاريث, كان مجرد أحمق. لم يكن يتصور أن والده يشعر بأي حزن حقيقي لتزويج ابنته, فهو بكل هذا يرميها لذئاب مملكة ماكلاود.
شعر جاريث بالازدراء نفسه نحو واندا, التي تبدو وكأنها تستمتع بكل شيء. كانت بالكاد تهتم بأنها زوج لأناس أدنى منها. هي أيضاً تسعى إلى السلطة, بدم بارد. بهذا الشكل, كانت من بين جميع إخوته تشبهه في ذلك. في بعض الجوانب كان متعلقاً بها, على الرغم من أنه لم يكن بينهما الكثير من الحميمية.
تحول جاريث للنظر إلى الأسفل, يكاد صبره أن ينفذ, وهو ينتظر كل شيء أن ينتهي.
كان يعاني خلال الحفل, وأرجون يتلو الصلوات و يؤدي الشعائر. كانت بأكملها مسرحية, وقد جعله كل هذا مشمئزاً. كان مجرد اتحاد عائلتين لأسباب سياسية, لماذا لا يظهرون حقيقة الأمر كما كان؟
وأخيراً, الشكر للسماء, لقد انتهى كل شيء. ارتفع هتاف الحشد بشكل كبير حينما كان الاثنان يقبلان بعضهما. نفخ بوق كبير, وغرق الترتيب المثالي لحفل الزفاف في حالة من الفوضى تمت السيطرة عليها. أخذت العائلة المالكة طريقها عائدة عبر الممر إلى منطقة الاستقبال.
حتى جاريث, بالسخرية التي كان عليها, انبهر بالمشهد, لم يقتصد والده بالنفقات هذه المرة. امتدت أمامهم جميع أنواع الطاولات والمآدب وبراميل الخمر, أعداد لا منتهية من الخنازير والأغنام المشوية.
وراءهم كان الاستعداد لهذا الحدث المهم, الألعاب., أهداف يجري إعدادها لرمي الحجارة و الرماح و الرماية, ووسط كل ذلك ميدان المبارزة, الذي ازدحمت الجماهير حوله.
كانت الحشود قد انقسمت لتشجيع الفرسان على كلا الجانبين. بالنسبة لمملكة ماكجيل, كان بالطبع أول فارس يدخل هو كندريك, الذي كان يمتطي حصانه مغطاً بدرعه, ويتبعه العشرات من فرسان الفضة. لكن الحدث لم يبدأ حتى وصل إيريك, يتقدم عن الآخرين على حصانه الأبيض, وقد عم الصمت بين الحشد من الرهبة. كانت عيون الجميع مشدودة إليه, حتى هيلانة مالت لتتمكن من مشاهدته ولاحظ جاريث رغبتها فيه مثل كل النساء الأخريات.
"لقد كان في سن الزواج تقريباً, لم يتزوج حتى الآن. أي امرأة في المملكة يمكن أن تقبل الزواج به. لماذا لم يختر أحداً منا؟" قالت هيلانة.
"وما الذي يهمك؟" سأل جاريث, وقد كان يشعر بالغيرة. هو أيضاً, أراد أن يكون خلف درعه هناك, وعلى حصانه, ويبارز لاسم والده. لكنه لم يكن محارباً. الجميع يعرف ذلك.
تجاهلته هيلانة مع حركة رفض من يدها. "أنت لست رجلاً," قالت بسخرية. "أنت لا تفهم هذه الأشياء."
احمر جاريث خجلاً. كان يريد أن لا يدعها تفلت بذلك, ولكن لم يكن هذا الوقت المناسب. بدلاً من ذلك, رافقها للجلوس في المدرجات مع الآخرين لمشاهدة احتفالات اليوم. كان هذا اليوم يزداد سوءاً, سيكون يوماً طويلاً جداً, يوماً من استعراض الرجولة التي لا نهاية لها, من الخيلاء والتظاهر. يوماً لجرح أو قتل الرجال بعضهم البعض. كان يوماً بعيداً عن اهتماماته, اليوم الذي يمثل كل ما يكرهه.
بينما كان يجلس هناك, غارقاً في التفكير. تمنى في قرارة نفسه لو أن الاحتفالات تتحول إلى معركة كاملة, حينها سيكون هناك سفك للدماء واسع النطاق أمامه, وكل شيء في هذا المكان سيدمَر, ويمزق إلى أشلاء.
يوماً ما سيكون له ما تمناه. يوماً ما سيكون الملك, يوماً ما.